كتاب الاستقامة (اسم الجزء: 1)
معتدون وَهَؤُلَاء مفرطون وَإِنَّمَا الْحق الرَّغْبَة فِي السماع الإيماني الشَّرْعِيّ والزهد فِي السماعي الشركي البدعي
ثمَّ ذكر أَبُو الْقَاسِم حِكَايَة أبي بكر الرقي فِي الْغُلَام الَّذِي حدا بالجمال حَتَّى قطعت مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فِي يَوْم فَلَمَّا حط عَنْهَا مَاتَت وحدا بجمل فهام على وَجهه وَقطع حباله قَالَ الرقي وَلم أَظن أَنِّي سَمِعت صَوتا أطيب مِنْهُ وَوَقعت لوجهي حَتَّى أَشَارَ عَلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَسكت فَقَالَ حَدثنَا أَبُو حَاتِم السجسْتانِي حَدثنَا أَبُو نصر السراج قَالَ حكى الرقي
قلت مَضْمُون هَذِه الْحِكَايَة أَن الصَّوْت البليغ فِي الْحسن قد يُحَرك النُّفُوس تحريكا عَظِيما خَارِجا عَن الْعَادة وَهَذَا مِمَّا لَا ريب فِيهِ فَإِن الْأَصْوَات توجب الحركات الإرادية بحسنها وَهِي فِي الأَصْل ناشئة عَن حركات إرادية وَيخْتَلف تأثيرها باخْتلَاف نوع الصَّوْت وَقدره بل هِيَ من أعظم المحركات أَو أعظمها وَإِذا اتّفق قُوَّة الْمُؤثر واستعداد الْمحل قوى التَّأْثِير فالنفوس المستعدة لصِغَر أَو انوثة أَو جزع وَنَحْوه أَو لفراغ وَعدم شغل أَو ضعف عقل إِذا اتَّصل بهَا صَوت عَظِيم حسن قوى أزعجها غَايَة الإزعاج لَكِن هَذَا لَا يدل على جَوَاز ذَلِك وَلَا فِيهِ مَا يُوجب مدحه وَحسنه بل مثل هَذَا أدل على الذَّم والنهى مِنْهُ على الْحَمد والمدح فَإِن هَذَا يفْسد النُّفُوس أَكثر مِمَّا يصلحها ويضرها أَكثر مِمَّا ينفعها وَإِن كَانَ فِيهِ نفع فأثمة أَكثر من نَفعه
الصفحة 378
477