كتاب الاستقامة (اسم الجزء: 1)

وَأما الْوَجْه الثَّانِي فَقَوْل الْقَائِل عَن الصَّوْت الْحسن مخاطبات وإشارات أودعها الله كل طيب وطيبة لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ ان كل صَوت طيب كَائِنا مَا كَانَ بِأَن الله أودعها مخاطبات يُخَاطب بهَا عباده فَإِن هَذَا القَوْل كفر صَرِيح إِذْ ذَلِك يسْتَلْزم أَن تكون الْأَصْوَات الطّيبَة الَّتِي يستعملها الْمُشْركُونَ وَأهل الْكتاب فِي الِاسْتِعَانَة بهَا على كفرهم قد خَاطب بهَا الله عباده وَأَن تكون الْأَصْوَات الطّيبَة الَّتِي يستفز بهَا الشَّيْطَان لبني آدم كَمَا قَالَ تَعَالَى {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك} [سُورَة الْإِسْرَاء 64] أَن تكون هَذِه الْأَصْوَات الشيطانية إِذا كَانَت طيبَة قد أودعها مخاطبات يُخَاطب بهَا عباده وَأَن تكون اصوات الملاهي قد أودعها الله مخاطبات يُخَاطب بهَا عباده
وَمن الْمَعْلُوم أَن هَذَا لَا يَقُوله عَاقل فضلا عَن أَن يَقُوله مُسلم ثمَّ لَو كَانَ الامر كَذَلِك فَلم لم يستمع الْأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقُونَ من الْأَوَّلين والآخرين إِلَى كل صَوت صَوت ويأمروا أتباعهم بذلك لما فِي ذَلِك من اسْتِمَاع مخاطبات الْحق إِذْ قد علم أَن اسْتِمَاع مخاطبات الْحق من أفضل القربات
فقد ظهر أَن هَذَا الْكَلَام لَا يجوز أَن يكون عُمُومه وإطلاقه حَقًا
يبْقى ان يُقَال هَذَا خَاص ومقيد فِي الصَّوْت الْحسن إِذا اسْتعْمل على الْوَجْه الْحسن فَهَذَا حق مثل ان يزين بِهِ كَلَام الله كَمَا كَانَ أَبُو مُوسَى الاشعري يفعل وَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَرْت بك البارحة

الصفحة 387