كتاب الاستقامة (اسم الجزء: 1)
وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ من الْعلمَاء العارفين إِن أَحْوَال السماع بعد مُبَاشَرَته تبقى غير مقدورة للْإنْسَان بل تبقى حَرَكَة نَفسه وَأَحْوَالهَا أعظم من احوال الْإِنْسَان بعد مُبَاشرَة شرب الْخمر فَإِن فعل هَذَا السماع فِي النُّفُوس أعظم من فعل حميا الكؤوس
وَقَوله من أصغى إِلَيْهِ بِحَق تحقق فَيُقَال عَلَيْهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن يُقَال إِن الإصغاء إِلَيْهِ بِحَق مَأْمُون الغائلة أَن يخالطه بَاطِل أَمر غير مَقْدُور عَلَيْهِ للبشر أَكثر مِمَّا فِي قُوَّة صَاحب الرياضة والصفاء التَّام أَن يكون حِين الإصغاء لَا يجد فِي نَفسه إِلَّا طلب الْحق وإرادته لكنه لَا يَثِق بِبَقَائِهِ على ذَلِك بل إِذا سمع خالط الإصغاء بِالْحَقِّ الإصغاء بِالنَّفسِ إِذْ تجرد الْإِنْسَان عَن صِفَاته اللَّازِمَة لذاته محَال مُمْتَنع
الثَّانِي أَن يُقَال وَمن أَيْن يعلم أَن كل من أصغى إِلَيْهِ بِحَق تحقق بل المصغى إِلَيْهِ بِحَق يحصل لَهُ من الزندقة والنفاق علما وَحَالا مَا قد لَا يشْعر بِهِ كَمَا قَالَ عبد الله بن مَسْعُود الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل والنفاق هُوَ الزندقة وَمن الْمَعْلُوم أَن البقل ينْبت فِي الأَرْض شَيْئا فَشَيْئًا لَا يحس النَّاس بنباته فَكَذَلِك مَا يَبْدُو فِي الْقُلُوب من الزندقة والنفاق قد لَا يشْعر بِهِ أَصْحَاب الْقُلُوب بل يظنون أَنهم مِمَّن تحقق وَيكون فيهم شبه كثير مِمَّن تزندق
يُوضح هَذَا ان دَعْوَى التحقق وَالتَّحْقِيق والحقائق قد كثرت على أَلْسِنَة
الصفحة 393
477