كتاب الاستقامة (اسم الجزء: 1)

يقْصد الضدان لما فِي كل مِنْهُمَا من الْمصَالح الْمَقْصُودَة لَكِن لَا يُوجد الضدان وَإِن كَانَ الدَّلِيل مغلبا للظن اعْتقد فِيهِ مُوجبه وَإِذا تَعَارَضَت هَذِه الْأَدِلَّة رجح راجحها وَسوى بَين متكافيها
إِذا تقرر ذَلِك فَنَقُول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جميل يحب الْجمال كَقَوْلِه للَّذي علمه الدُّعَاء اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فأعف عني وَقَوله تَعَالَى {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} [سُورَة الْبَقَرَة 222] وَإِن الله نظيف يحب النَّظَافَة
فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذا كَانَ يحب الْعَفو لم يُوجب هَذَا أَلا يكون فِي بعض أَنْوَاع الْعَفو من الْمعَارض الرَّاجِح مَا يُعَارض مَا فِيهِ من محبَّة الْعَفو وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْفُو عَن كل محرم فَلَا يُعَاقب مُشْركًا وَلَا فَاجِرًا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة وَهَذَا خلاف الْوَاقِع ولوجب أَن يسْتَحبّ لنا الْعَفو عَن كل كَافِر وَفَاجِر فَلَا نعاقب أحدا على شئ وَهَذَا خلاف مَا أمرنَا بِهِ وَخلاف مَا هُوَ صَلَاح لنا وَنَافِع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَكَذَلِكَ محبته للمتطهرين ومحبته للنظافة لَا تمنع حُصُول الْمعَارض الرَّاجِح مثل أَن يكون المَاء مُحْتَاجا إِلَيْهِ للعطش فمحبته لسقي العطشان راجحة على محبته للطَّهَارَة والنظافة

الصفحة 438