كتاب الاستقامة (اسم الجزء: 1)

من هَذَا الْبَاب فَإِن هَؤُلَاءِ فِي طريقهم من الشّرك والضلال مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا ذُو الْجلَال فَإِن المتفلسفة قد يعْبدُونَ الْأَوْثَان وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَنَحْو ذَلِك فَإِذا صَار أحدهم يروض نَفسه بالعشق لعبادة الله وَحده أَو رياضة مُطلقَة لَا يعبد فِيهَا غير الله كَانَ ذَلِك خيرا لَهُ من أَن يعبد غير الله
وَكَذَلِكَ الاتحادية الَّذين يجْعَلُونَ الله هُوَ الْوُجُود الْمُطلق أَو يَقُولُونَ إِنَّه يحل فِي الصُّور الجميلة مَتى تَابَ الرجل مِنْهُم من هَذَا وَصَارَ يسكن نَفسه بعشق بعض الصُّور وَهُوَ لَا يعبد إِلَّا الله وَحده كَانَت هَذِه الْحَال خيرا من تِلْكَ الْحَال
فَهَذِهِ الذُّنُوب مَعَ صِحَة التَّوْحِيد خير من فَسَاد التَّوْحِيد مَعَ عدم هَذِه الذُّنُوب وَلِهَذَا نجد النَّاس يفضلون من كَانَ من الْمُلُوك وَنَحْوهم إِنَّمَا يظلم نَفسه بِشرب الْخمر وَالزِّنَا أَو الْفَوَاحِش ويتجنب ظلم الرّعية ويتحرى الْعدْل فيهم على من كَانَ يتَجَنَّب الْفَوَاحِش وَالْخمر وَالزِّنَا وينتصب لظلم النَّاس فِي نُفُوسهم وَأَمْوَالهمْ وأعراضهم
وَهَؤُلَاء الظَّالِمُونَ قد يجْعَلُونَ الظُّلم دينا يَتَقَرَّبُون بِهِ بجهلهم كَمَا أَن أُولَئِكَ الظَّالِمين لأَنْفُسِهِمْ قد يجْعَلُونَ ذَلِك بجهلهم دينا يَتَقَرَّبُون بِهِ فالشيطان قد زين لكثير من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء سوء عَمَلهم فرأوه حسنا
لَكِن كثير من النَّاس يجمعُونَ بَين هَذَا وَهَذَا فَإِن من عُقُوبَة السَّيئَة

الصفحة 466