كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

مِنْهَا أَن الْمجَاز لَا ينبىء عَن مَعْنَاهُ بِنَفسِهِ فورود الْقُرْآن بِهِ يَقْتَضِي الإلباس وَالْجَوَاب أَنه لَا إلباس مَعَ الْقَرِينَة الدَّالَّة على المُرَاد
وَمِنْهَا قَوْلهم إِن الْعُدُول إِلَى الْمجَاز يَقْتَضِي الْعَجز عَن الْحَقِيقَة وَذَلِكَ مُسْتَحِيل على الله وَالْجَوَاب أَن ذَلِك إِنَّمَا يَقْتَضِي الْعَجز عَن الْحَقِيقَة لَو لم يحسن الْعُدُول إِلَى الْمجَاز مَعَ التَّمَكُّن من الْحَقِيقَة وَمَعْلُوم أَن الْعُدُول إِلَى الْمجَاز يحسن لما فِيهِ من زِيَادَة فصاحة واختصار ومبالغة فِي التَّشْبِيه وَلَو لم تكن فِي الْمجَاز هَذِه الْوُجُوه لجَاز ان يكون فِيهِ مصلحَة لَا نعلمها ولجاز أَن يكون الْمجَاز مَعَ قرينته يُسَاوِي فِي الطول كَثْرَة أَلْفَاظ فَيجْرِي الْعُدُول إِلَيْهِ مجْرى الْعُدُول من حَقِيقَة إِلَى حَقِيقَة
وَمِنْهَا قَوْلهم لَو خَاطب الله بالمجاز والاستعارة لصَحَّ وَصفه بِأَنَّهُ متجوز فِي خطابه وَبِأَنَّهُ مستعيرا وَالْجَوَاب أَن إِطْلَاق وَصفه بالتجويز يُوهم التسمح بالقبيح وَلِهَذَا إِذا قيل فلَان متجوز فِي أَفعاله أَفَادَ أَنه متسمح بالقبيح فِيهَا وَأما قَوْلنَا مستعير فَإِنَّهُ يفهم من إِطْلَاقه أَنه اسْتَأْذن غَيره فِي التَّصَرُّف فِي ملكه لينْتَفع بِهِ وكل ذَلِك يَسْتَحِيل على الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب ذكر مَا يفصل بِهِ بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم أَن الْفَصْل بَينهمَا إِنَّمَا يكون من جِهَة اللُّغَة إِمَّا بِنَصّ من اهل اللُّغَة وَإِمَّا باستدلال بعاداتهم والأسبق إِلَى أفهامهم وَبِمَا يجب للْحَقِيقَة وَالْمجَاز
أما الأول فنحو أَن يَقُولُوا هَذِه حَقِيقَة وَهَذَا مجَاز أَو يَقُولُوا هَذَا الْكَلَام إِذا عني بِهِ كَذَا فقد عني بِهِ مَا وضع لَهُ وَإِذا عني بِهِ كَذَا لم يكن قد عني بِهِ مَا وضع لَهُ أَو يَقُولُوا إِذا عني بِهِ كَذَا لم يَنْتَظِم لَفظه مَعْنَاهُ إِمَّا بِزِيَادَة اَوْ نُقْصَان أَو بِنَقْل وَإِذا عني بِهِ كَذَا يَنْتَظِم لَفظه مَعْنَاهُ من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَلَا نقل

الصفحة 25