كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

وَأما الِاسْتِدْلَال فبأن يسْبق إِلَى إفهام أهل اللُّغَة عِنْد سَماع اللَّفْظَة من دون قرينَة معنى من الْمعَانِي دون آخر فيعلموا أَنَّهَا حَقِيقَة فِيمَا سبق إِلَى الْفَهم لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنه قد اضْطر السَّامع من قصد الواضعين إِلَى أَنهم وضعُوا اللَّفْظَة لذَلِك الْمَعْنى مَا سبق إِلَى فهمه ذَلِك الْمَعْنى دون غَيره وَوجه آخر أَن يكون أهل اللُّغَة إِذا أَرَادوا إفهام غَيرهم معنى من الْمعَانِي اقتصروا على عبارَة مَخْصُوصَة وَإِذا عبروا عَنهُ بغَيْرهَا لم يقتصروا عَلَيْهَا فيعلموا أَن الْعبارَة الَّتِي اقتصروا عَلَيْهَا هِيَ حَقِيقَة فِي ذَلِك الْمَعْنى لِأَنَّهُ لَوْلَا مَا اسْتَقر فِي أنفسهم من اسْتِحْقَاق ذَلِك الْمَعْنى لتِلْك اللَّفْظَة وانها تفيده وَحده مَا اقتصروا عَلَيْهَا
وَقد فرق بَينهمَا بالاطراد ونفيه فَمَتَى اطرد الِاسْم فِي معنى على الْحَد الَّذِي اسْتعْمل فِيهِ من غير منع شَرْعِي كَانَ حَقِيقَة فِيهِ وَمَتى لم يطرد فِيهِ من غير منع كَانَ مجَازًا لِأَن الْمجَاز لَا يطرد أَلا ترى أَن وَصفنَا للرجل الطَّوِيل بِأَنَّهُ نَخْلَة لما كَانَ مجَازًا لم يطرد فِي كل طَوِيل وَالصَّحِيح أَن نفي الاطراد من غير منع دَلِيل على أَن الِاسْم مجَاز لِأَنَّهُ قد ثَبت وجوب اطراد الِاسْم فِي حَقِيقَته واطراده لِأَنَّهُ يدل على أَنه حَقِيقَة لِأَن الْمجَاز وَإِن لم يجب اطراده فَلَا مَانع يمْنَع من اطراد بعضه وَمَا ذَكرُوهُ من التَّمْثِيل بالنخلة فَهُوَ مِثَال وَاحِد وَلَا يُمكن أَن يدعى انه قد استقرئت الْأَلْفَاظ كلهَا فَلم يُوجد فِيهَا مجَاز مطرد وَلَو كَانَ ذَلِك قد علم لَكَانَ قد علمت أَلْفَاظ الْمجَاز وَعلم أَن مَا عَداهَا حَقِيقَة قبل الْعلم بِنَفْي اطرادها وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن يكون الْفَصْل بَينهمَا قد علم قبله
وَقد فرق بَينهمَا بِأَن اللَّفْظَة إِذا افادت الشَّيْء على الْحَقِيقَة يصرف فِيهَا بِجمع وتثنية واشتقاق وَتعلق بِالْغَيْر نَحْو اسْم الْأَمر إِذا وَقع على القَوْل فَإِنَّهُ يتَعَلَّق بالمأمور بِهِ فَيُقَال هُوَ أَمر بِكَذَا وَإِذا لم يجمع الِاسْم وَلم يثن وَلم يشتق مِنْهُ لم يكن حَقِيقَة وَلِهَذَا لم يكن اسْتِعْمَال اسْم الْأَمر فِي الْفِعْل حَقِيقَة لِأَنَّهُ لَا يُقَال فِيهِ إِنَّه أَمر بِكَذَا وَذَلِكَ أَنه إِذا تصرف فِي اللَّفْظَة علم أَنَّهَا متمكنة فِي مَعْنَاهَا وَهَذَا تقريب لِأَن اسْم الْحمار إِذا وَقع على البليد ثني وَجمع فَقيل فِي جمَاعَة

الصفحة 26