كتاب عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد (اسم الجزء: 1)
معه، ومن ذلك حديث أبي الضحى في تفسير قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) [القلم: 1] قال أول شيء خلق الله القلم، فقال له اكتب، فقال وما أكتبُ، قال القدر، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فقد صرح في هذين الحديثين بأن القلم أول مخلوق وأن الغرض من ذلك تقديمه على سائر المخلوقات، ولا يسوغ في هذين الحديثين أن يجعل القلم مفعولاً، كما توهم المتوهم في الحديث المذكور فينبغي أن يرفع فيكون خبر إنّ وتستقيم الأحاديث، فإن قال قائل: من أين زعمت أن من نصب القلم واعتقد أنه مفعول بخلق، لزم على قوله أن يضم اسم أنّ وهو الضمير الذي يسميه الكوفيون المجهول، ووجب أن يكون ظرفًا لا منصوبًا، ويلزم على قوله أن تسقط الفاء من قوله تعالى: "فقال له اكتب" كأنه قال: أول ما خلق الله القلم قال له اكتب، فيفسر الحديث من وجهين:
أحدهما: دخول الفاء في قوله: فقال له اكتب، لأنه لا مدخل للفاء ههنا على مذهب.
والثاني: أنه لا يكون في الحديث إخبار بأن القلم أول المخلوقات، وإنما فيه إخبار بأن الله تعالى قال له اكتب حين خلقه، فيصير الحديث فاسد الإعراب لسائر الأحاديث الواردة في القلم، ولا يصح نصب القلم في هذا الحديث إن ثبتت به رواية مصححة، إلا على أن تنصب خبر إنّ وأخواتها، وهي لغة بعض العرب، يقولون: إن زيدًا قائمًا، وليت عمرًا مقبلاً، وعلى هذه اللغة جاء قول الشاعر:
إذا اسودَّ جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافًا إنَّ حراسَنا أُسْدا
فإن صحت روايته بنصب القلم فينبغي أن تحمل على هذه اللغة، وأما على أنه مفعول بخلق ففاسد في المعنى والإعراب، انتهى.
الصفحة 485
494