كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

الملائكة رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة وذنوبهم الكثيرة وذلك في زمن إدريس فعيروهم بذلك، ودعت عليهم قالوا: هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض واخترتهم فهم يعصونك.
فقال الله عزّ وجلّ لهم: لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لارتكبتم ما ارتكبوه.
فقالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنّا أن نعصيك. قال الله تعالى: اختاروا ملكين من خياركم ثمّ اهبطوهما إلى الأرض. فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلح الملائكة وأخصهم.
قال الكلبي: قال الله تعالى لهم: اختاروا ثلاثة: عزّا وهو هاروت وعزايا وهو ماروت.
غيّر اسمهما لما قارفا الذنب كما غير اسم إبليس وعزائيل فركب الله فيهم الشهوة التي ركبها في بني آدم. فاهبطهم إلى الأرض وأمرهم أن يحكموا بين النّاس بالحقّ، ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحقّ والزنا وشرب الخمر- وأما عزائيل فإنّه لما وقعت الشهوة في قلبه استقال ربّه، وسأله أن يرفعه إلى السّماء، فأقاله ورفعه، فسجد أربعين سنة، ثمّ رفع رأسه ولم يزل بعد ذلك مطأطئا رأسه حياء من الله عزّ وجلّ.
وأما الآخران فإنهما ثبتا على ذلك وكانا يغضبان من النّاس يومهما فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء.
قال قتادة: فما مر عليهما شهر حتّى افتتنا قالوا جميعا وذلك انهم اختصم عليهما ذات يوم الزهرة، وكانت من أجمل النّساء.
قال علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وكانت من أهل فارس، وكانت ملكة في بلدها. فلمّا رأياها أخذت بقلوبهما فراوداها عن نفسها وانصرفت، ثمّ عادت في اليوم الثاني. ففعلا مثل ذلك. فأبت وقالت: لا إلّا أن تعبدا ما أعبد وتصليا لهذا الصّنم وتقتلا النّفس وتشربا الخمر فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء فإن الله قد نهانا عنها. فانصرفت ثمّ عادت في اليوم الثالث ومعها قدح من خمر وفي أنفسهما من الميل إليها ما فيها. فراوداها عن نفسها.
فعرضت عليهما ما قالت بالأمس. فقالا: الصلاة لغير الله عظيم، وقتل النّفس عظيم وأهون الثلاثة شرب الخمر فانتعشا ووقعا بالمرأة وزنيا. فلما فرغا رآهما إنسان فقتلاه.
قال الربيع بن أنس: سجدا للصنم فمسخ الله الزهرة كوكبا
وقال عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) والسّدي والكلبي: إنّها قالت لهما: لن تدركاني حتّى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء. فقالا: بسم الله الأكبر. قالت: فما أنتما تدركاني حتّى تعلمانيه. فقال أحدهما لصاحبه:
علّمها. قال: فإنّي أخاف الله.
قال الآخر: فأين رحمة الله فعلماهما ذلك. فتكلّمت به وصعدت إلى السّماء فمسخها الله كوكبا.
فعلى قول هؤلاء هي الزّهرة بعينها وقيدوها. فقالوا: هي هذه الكوكبة الحمراء واسمها بالفارسيّة ناهيد، وبالنبطية بيذخت يدلّ على صحة هذا القول ما
روى جابر عن الطفيل عن علي

الصفحة 246