كتاب المنهل الحديث في شرح الحديث (اسم الجزء: 1)

والجملة في محل نصب على الحال.
(فذكر ذلك) الفاء عاطفة على محذوف، تقديره فمشى راكعا، فدخل الصف فصلى، ففرغ من صلاته، فذكر ذلك إشارة إلى ما فعله من الركوع دون الصف.
(ولا تعد) بفتح التاء وضم العين من العود بمعنى الرجوع. وحكى بعض شراح المصابيح أنه روي بضم التاء وكسر العين من الإعادة.

-[فقه الحديث]-
ركع الصحابي قبل أن يصل إلى الصف حرصا على إدراك الركعة جماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولذا لم يزجره، بل دعا له بزيادة الحرص على الخير، سيما وأنه لم يأتي بما يفسد الصلاة، لأن مشيه كان خطوة أو خطوتين. وقال مالك والليث: لا بأس بذلك إذا كان فاعله يصل إلى الصف قبل سجود الإمام وقوله "ولا تعد" يحتمل أن يكون المراد منه: ولا تعد لمثل هذا الانفراد عن الصف، أو لا تعد للتأني والتأخر إلى هذا الوقت، أو لا تعد إلى الإسراع في التحرم، لما روي أنه انطلق يسعى وهو حقن النفس. أو لا تعد إلى المشي وأنت راكع، لتصل إلى الصف لما روي أنه عليه الصلاة والسلام سأل عقب انصرافه من الصلاة: "أيكم دخل الصف وهو راكع"؟ فقال أبو بكرة: أنا وكأنه صلى الله عليه وسلم بهذا الاستفسار لا يرضى عن مثل ذلك، لأن هذا المشي وإن لم يفسد الصلاة فيه تشبيه المصلي نفسه في مشيه راكعا بالبهائم، وذلك لا يليق بحال المصلي.
وفيه إخلال بالخشوع الذي ينبغي للصلاة من أول الدخول فيها.
وقد علم من هذا التقرير أنه لا منافاة بين تصويب الفعل في أول الكلام وتخطئته في آخره بقوله "ولا تعد" لأن كلا منهما محمول على جهة، فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما فعل، حيث لم يخل بالواجبات والأركان في صلاته، مع شدة حرصه على إدراك الركعة جماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله له "ولا تعد" فليس تخطئة، لأنه لم يأت بما يفسد الصلاة وإنما هو إرشاد إلى ما هو

الصفحة 177