كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَقْوَى مِنْهُ، كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ:
لَا تُخَاصِمْ بِوَاحِدٍ أَهْلَ بَيْتٍ ... فَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيَّا
وَهَذَا أَمْرٌ مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ، فَكَذَلِكَ فِي دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ، قَدْ يَكُونُ أَحَدُ مَدْلُولَيِ اللَّفْظِ أَرْجَحَ مِنَ الْآخَرِ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَدْلُولَ الْمَرْجُوحَ قَدْ يُوَافِقُهُ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ صَارَا جَمِيعًا مُسَاوِيَيْنِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ، فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ عَلَى الْمُرَجَّحِ أَوِ الرَّاجِحَيْنِ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ تَرْكُهُ وَالْعُدُولُ إِلَيْهِمَا.
وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَالْمُقَابِلِ أَيْضًا، مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ الشَّرِيكُ الْمُخَالِطُ، إِمَّا حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا، لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِرِ، فَلَمَّا نَظَرْنَا إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، صَارَ هَذَا الْحَدِيثُ مُقَوِّيًا لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ الضَّعِيفِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، حَتَّى تَرَجَّحَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَقَدَّمْنَاهُمَا، وَقُلْنَا: لَا شُفْعَةَ إِلَّا لِلشَّرِيكِ الْمُقَاسِمِ. وَحَمَلْنَا عَلَيْهِ الْجَارَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ.

الصفحة 562