كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: أَنَّ الشَّيْءَ أَوِ الْمَعْلُومَ إِمَّا أَنْ يَجِبَ وُجُودُهُ لِذَاتِهِ أَوْ يَمْتَنِعَ وُجُودُهُ لِذَاتِهِ، أَوْ يَكُونَ لِذَاتِهِ جَائِزَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا، أَعْنِي دَوَامَهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، كَإِنْسَانٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، أَوْ عَدَمَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ، كَإِنْسَانٍ وُجِدَ ثُمَّ عُدِمَ.
فَالْأَوَّلُ: هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتُهُ الذَّاتِيَّةُ، أَيِ: الْقَائِمَةُ بِذَاتِهِ، كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ، وَنَحْوِهَا، لَا غَيْرَ:
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمُحَالُ الْمُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ، أَوْ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، كَكَوْنِ الشَّيْءِ مَعْدُومًا مَوْجُودًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَجِبُ وُجُودُ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ، وَيَمْتَنِعُ وَجُودُهُ لِغَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَا كَانَ لِذَاتِهِ جَائِزَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، يُسَمَّى مُمْكِنًا، كَالْعَالَمِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سَبَبٍ آخَرَ يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ إِنِ افْتَقَرَ فِي وُجُودِهِ إِلَى سَبَبٍ مُؤَثِّرٍ فِيهِ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ، فَهُوَ الْمُمْكِنُ الْجَائِزُ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ، فَهُوَ الْوَاجِبُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ يَخْتَصُّ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ، لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا وُجُودَ لَهُ حَتَّى يَفْتَقِرَ إِلَى مُؤَثِّرٍ خَارِجٍ، أَوْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ.
وَمَعْنَى قَوْلِنَا: وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ: أَنَّ عِلَّةَ وُجُودِهِ ذَاتُهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَوْجُودُ لِذَاتِهِ دَائِمَ الْبَقَاءِ مَا دَامَتْ ذَاتُهُ مَوْجُودَةً، بِخِلَافِ مَا عِلَّةُ وُجُودِهِ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَزُولُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ.

الصفحة 57