كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَيْرُوزٍ الدَّيْلَمِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ: أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ وَفَارِقِ الْأُخْرَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِمْسَاكَ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِدَامَةِ، مَعَ الْمَعِيَّةِ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِمَا مُتَعَاقِبَتَانِ، فَقَدْ خَيَّرَهُ فِي إِمْسَاكِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْأُولَى. فَالنُّصُوصُ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَثَارَ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ هُوَ الْحِفْظُ لِلشَّيْءِ، لِكَوْنِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ آلَةٍ يَحْصُلُ بِهَا الْإِمْسَاكُ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْإِمْسَاكِ وَأَمْسَكَ عَنْ آلَتِهِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا، إِذِ الْإِمْسَاكُ - الَّذِي هُوَ هَاهُنَا حِفْظُ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ - يَصِحُّ حُصُولُهُ بِالِاسْتِدَامَةِ، وَالِاسْتِبْقَاءِ، وَالِاسْتِصْحَابِ كَمَا قُلْنَاهُ، وَيَصِحُّ حُصُولُهُ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ كَمَا قَالُوهُ، لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، لِمَا سَبَقَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ، ثُمَّ تَصْحِيحِهِ بِابْتِدَاءِ عَقْدِهِ عَلَيْهِنَّ، وَعَلَى مَا قَالُوهُ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ كَاللَّفْظِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ، بِدُونِ إِضْمَارٍ، وَمَا ذَكَرُوهُ كَاللَّفْظِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِإِضْمَارٍ، وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى، فَكَانَ مَا أَشْبَهَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى، وَهُوَ تَأْوِيلُنَا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّ ذَلِكَ، يَعْنِي تَأْوِيلَ الظَّوَاهِرِ، يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِلَّا فَلَسْنَا نَقْطَعُ بِبُطْلَانِ تَأْوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَذْلِيلُ الطَّرِيقِ لِلْمُجْتَهِدِينَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

الصفحة 573