كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَوْجُودُ لِذَاتِهِ لَوْ قُدِّرَ زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَهِيَ ذَاتُهُ، لَزَالَ.
قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ مَا عِلَّةُ وُجُودِهِ ذَاتُهُ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ عِلَّتِهِ حَتَّى يَزُولَ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْعِلْمِ الْكَلَامِيِّ.
وَقَوْلُهُ: وَيَا مُوجِدَ كُلِّ مَوْجُودٍ " يَعْنِي مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، وَهُوَ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي أَوْجَدَهَا، وَأَفَاضَ عَلَيْهَا وُجُودَهَا بِقُدْرَتِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَيَا مُفِيضَ الْخَيْرِ وَالْجُودِ " الْخَيْرُ: ضِدُّ الشَّرِّ، وَهُوَ مَا يُلَائِمُ الطَّبْعَ الْمُعْتَدِلَ السَّلِيمَ وَيَخْتَارُهُ الْعَاقِلُ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ وَجْهُ الِاخْتِيَارِ فِي الشَّيْءِ ظَاهِرًا، كَالْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ، وَالرِّئَاسَةِ الْعَالِيَةِ، وَالْمَآكِلِ وَالْمُشَارِبِ الْمُسْتَطَابَةِ، وَقَدْ يَكُونُ خَفِيًّا كَامِنًا فِي ضِدِّهِ، حَتَّى إِذَا ظَهَرَ، لَاحَ وَجْهُ الِاخْتِيَارِ فِيهِ، كَالْأَمْرَاضِ وَالْعَاهَاتِ وَالذُّلِّ وَالْخُمُولِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الصِّحَّةِ، وَالرِّفْعَةِ فِي الْعُقْبَى، وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ الْكَرِيهَةِ الْمُفْضِي إِلَى زَوَالِ الْعِلَّةِ، فَهِيَ خَيْرَاتٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا وَمَآلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شُرُورًا بِاعْتِبَارِ صُورَتِهَا وَحَالِهَا، وَأَفْعَالُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْوُجُودِ كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَخَيْرٌ، لَكِنْ مِنْهَا مَا ظَهَرَ فِيهِ وَجْهُ الِاخْتِيَارِ، كَالنَّافِعِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَمِنْهَا مَا خَفِيَ فِيهِ ذَلِكَ كَالْمُضِرِّ مِنَ السِّبَاعِ وَأَنْوَاعِ الْعَقَارِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رِعَايَةَ مَصَالِحِ عِبَادِهِ: إِنَّ دُخُولَ النَّارِ وَالْخُلُودَ فِيهَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْكُفَّارِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ.
وَالْخَيْرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ مَصْدَرُ: خَارَ يَخِيرُ خَيْرًا: إِذَا صَارَ خَيِّرًا، وَخَارَ اللَّهُ لَهُ يَخِيرُ لَهُ خَيْرًا. إِذَا اخْتَارَ لَهُ مَا يُوَافِقُهُ.
وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى: هُوَ ضِدُّ الشَّرِّ، وَهُوَ مَا وَافَقَ الْغَرَضَ بِوَجْهٍ مَا، وَهُوَ مِنَ

الصفحة 58