كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 1)

حَمْدَ مَنْ آمَنَ بِكَ وَأَسْلَمَ، وَفَوَّضَ إِلَيْكَ أَمْرَهُ وَسَلَّمَ، وَانْقَادَ لِأَوَامِرِكَ وَاسْتَسْلَمَ، وَخَضَعَ لِعِزِّكَ الْقَاهِرِ وَدَانَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: «حَمْدَ مَنْ آمَنَ بِكَ وَأَسْلَمَ، وَفَوَّضَ إِلَيْكَ أَمْرَهُ وَسَلَّمَ، وَانْقَادَ لِأَوَامِرِكَ وَاسْتَسْلَمَ، وَخَضَعَ لِعِزِّكَ الْقَاهِرِ وَدَانَ» .
قَوْلُهُ: «أَحْمَدُكَ» : أَيْ: أَحْمَدُكَ حَمْدًا مِثْلَ حَمْدِ مَنْ آمَنَ بِكَ، فَحَذَفَ الْمَصْدَرَ وَصِفَتَهُ وَأَقَامَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ اخْتِصَارًا، لِأَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ لَيْسَ حَمْدِي لِلَّهِ مَثَلًا هُوَ نَفْسَ حَمْدِ مَنْ آمَنَ غَيْرِي، بَلْ هُوَ مِثْلُهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَعْطَى عَطَاءَ الْأَجْوَادِ، وَبَخِلَ بُخْلَ الْأَوْغَادِ، أَيْ: مِثْلُهُ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ الْمِسْكُ مِنْهُمَا ... نَسِيمَ الصَّبَا جَاءَتْ بَرَيَّا الْقَرَنْفُلِ
أَيْ تَضَوَّعَ تَضَوُّعًا مِثْلَ تَضَوُّعِ نَسِيمِ الصَّبَا، وَهُوَ أَكْثَرُ حَذْفًا مِمَّا قُلْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: «مَنْ آمَنَ بِكَ وَأَسْلَمَ» إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. وَقَدْ نَصَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الْحُجُرَاتِ: 14] ، نَفَى الْإِيمَانَ وَأَثْبَتَ الْإِسْلَامَ، وَالْمَنْفِيُّ غَيْرُ الْمُثْبَتِ، فَالْإِيمَانُ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْمُتَغَايِرَانِ مُفْتَرِقَانِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ

الصفحة 71