كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: «وَفَوَّضَ إِلَيْكَ أَمْرَهُ وَسَلَّمَ» ، التَّفْوِيضُ: رَدُّ الْأَمْرِ إِلَى الْغَيْرِ لِيَنْظُرَ فِيهِ، وَقُوَّةُ اللَّفْظِ تُعْطِي التَّوْسِيعَ، كَأَنَّ مَنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى غَيْرِهِ قَدْ جَعَلَهُ فِي سَعَةٍ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: أَمْوَالُهُمْ بَيْنَهُمْ فَوْضَى وَفَيْضُوضَى: إِذَا كَانُوا شُرَكَاءَ فِيهَا، وَأَمْرَهُ: أَيْ شَأْنُهُ وَكُلُّ مَا يَعْنِيهِ مِنَ اسْتِجْلَابِ خَيْرٍ، أَوِ اسْتِدْفَاعِ شَرٍّ، فَهُوَ مُفَوَّضٌ فِيهِ إِلَيْكَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ شَيْءٌ إِلَّا عَنْكَ نِعْمَةً وَبَلَاءً، وَمَنْعًا وَعَطَاءً، وَأَنَّكَ الْمُسْتَبِدُّ فِي الْخَلْقِ حُكْمًا وَقَضَاءً. وَالتَّسْلِيمُ فِي مَعْنَى التَّفْوِيضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النِّسَاءِ: 65] .
وَقَوْلُهُ: «وَانْقَادَ لِأَوَامِرِكَ وَاسْتَسْلَمَ» الِانْقِيَادُ: هُوَ الْمُتَابَعَةُ مَعَ الْمُطَاوَعَةِ، كَالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الدَّوَابِّ إِذَا قُيِّدَ بِزِمَامِهِ، تَابَعَ مُطَاوِعًا. وَالِاسْتِسْلَامُ: تَسْلِيمُ النَّفْسِ خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِفَاقًا، لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نِفَاقًا كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ إِذَا أَسْلَمَ خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ، لِأَنَّ خَوْفَ الْمَخْلُوقِينَ غَيْرُ وَاجِبٍ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النَّحْلِ: 106] فَهَذَا اسْتِسْلَامٌ لِلْكُفْرِ تَقِيَّةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا الِانْقِيَادَ لِلْأَوَامِرِ، أَيْ نَعْتَقِدُ وُجُوبَ امْتِثَالِ أَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ فِعْلًا وَكَفًّا وَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَعْنَى نَحْمَدُكَ حَمْدَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: «وَخَضَعَ لِعِزِّكَ الْقَاهِرِ وَدَانَ» الْخُضُوعُ: التَّطَامُنُ وَالتَّوَاضُعُ، وَمِنْهُ خَضَعَ النَّجْمُ: إِذَا مَالَ لِلْمَغِيبِ، وَخَضَعَ الْإِنْسَانُ خَضْعًا: أَمَالَ رَأْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَدَنَا مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَهِيَ الْإِيمَانُ

الصفحة 73