كتاب المرأة في حياة إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)

بعد غزوة ثرمداء هذه برزت في قضية عثمان بن معمر جوانب ليست في مصلحته. فالبلدة وأكثر سكانها من بني تميم قبيلة عثمان، وأمراؤها العناقر من أسرته إذ آل معمر منهم، ولهذا فاستنتاج المؤرخ ابن بشر بأنه ترك دخول البلدة (مشحة بأهلها ومضنة بهم) يفهم منه طغيان العاطفة على الواجب، وفات المؤرخ أن البلدة قد خلت من الرجال المقاتلين، ولم يبق فيها إلا النساء والأطفال ومن لا يقدر على القتال، فما الغاية من دخولها مع ترك المحاربين من أهلها خارجها متحصنين؟
وزاد الأمر سوءا بالنسبة لعثمان ما وقع بينه وبين عبد العزيز بن محمد بن سعود من خلاف أحدث تغاير الأحوال وتنافر القلوب - كما قال ابن بشر - وصدق الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودها ... مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
ولم يشفع لعثمان أنه قاد غزوة أخرى بعد ذلك، ودمر جيشه مزارع بلدة ثرمداء، حيث تحصن أهلها، ولم يبرزوا للقتال كما فعلوا في المرة الأولى التي قتل منهم فيها نحو سبعين رجلا.
لقد ختمت حياة عثمان بهذه الصورة المحزنة التي قال عنها ابن غنام1: لما تزايد شر عثمان على أهل التوحيد وظهر بغضه لهم وموالاته لأهل الباطل، وتبين الشيخ صدق ما كان يروى عنه، وجاء أهل البلاد كافة، وشكوا خشيتهم من غدره بالمسلمين، قال الشيخ لمن وفد إليه من أهل العيينة: أريد منكم البيعة على دين الله ورسوله، وموالاة من والاه ومعاداة من حاربه وعاداه ولو أنه أميركم عثمان، فأعطوه على ذلك الأيمان، فملئ قلب عثمان من ذلك رعبا، وزين له الشيطان أن يفتك بالمسلمين، فأرسل إلى ابن سويط وإلى إبراهيم بن سلمان يدعوهما للمجيء عنده لينفذ ما عزم عليه من الإيقاع بالمسلمين.
فلما تحقق أهل الإسلام ذلك تعاهد على قتله نفر منهم: حمد بن راشد وإبراهيم بن زيد (الباهلي) ، فلما انقضت صلاة الجمعة قتلوه في مصلاه بالمسجد سنة 1163.
__________
1"تاريخ نجد": 97.

الصفحة 178