كتاب اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة - مناع القطان

يدعو إلى تولية ولاة على أقاليم الجزيرة العربية حتى كان عهد بني أمية الذين اتخذوا الشام عاصمة لهم، فأوفدوا ولاتهم إلى المدينة والطائف أو اليمامة والبحرين، وظل الأمر هكذا في عهد الخلافة العباسية سوى أن بني العباس أولوا اهتمامهم بالحجاز واليمامة والبحرين، فلما ضعف شأن الدولة وفقدت سيطرتها على أطرافها نشبت الثورات الانفصالية في أنحاء شتى، ونال الجزيرة العربية من ذلك ما نالها، فاستقل باليمامة محمد بن يوسف بن إبراهيم من سلالة الحسن بن علي بن أبي طالب، واستمرت إمارتها في عقبه زهاء سبعين عاما، حتى هاجم القرامطة اليمامة سنة 317هـ وتغلبوا عليها.
ولم يقم في اليمامة بعد ذلك دولة ذات شأن، بل استقل كل أمير في نجد بإمارته، وبلغ الأمر ذروته في القرن الثاني عشر الهجري، حيث تعددت الإمارات، فكانت الإمارة في العيينة لآل معمر، وفي الدرعية لآل سعود، وفي الرياض لآل دواس، وفي الأحساء لبني خالد، وفي نجران لآل هزال، وفي حائل لآل على، وفي القصيم لآل حجيلان، إلى غير ذلك من الإمارات.. وبين هذه الإمارات المتعددة من الشحناء والبغضاء والتناحر والتنافر ما يحول دون استقرار البلاد والشعور بالأمن والانصراف للكسب والمعيشة.
ولم تكن الحالة الدينية في نجد أحسن من تلك الحالة السياسية، فإن انقطاع الصلة بينها وبين الخلافة والدولة وما نجم عن ذلك من استقلال إماراتها وانقسام قبائلها، جعل حياتها الدينية مضطربة منحرفة، وعرض العقيدة الإسلامية في نفوس أبنائها إلى شوائب البدع والخرافات، حتى كثر الشرك بالله، وشاعت الاعتقادات الجاهلية واشتدت الحالة في القرن الثاني عشر الهجري، واعتقد الناس في الجن والأحجار والأشجار والقبور، ولم يكن هناك من العلماء من يقوم بواجب الدعوة إلى الله وتبصير الناس بما هم عليه من الشرك والخرافات والأباطيل حيث غلب الهوى واستحوذ على العقول الضلال، واستسلم أمام موجة الجهل عامة الناس وخاصتهم، ما بين مخدوع مضلل ومستضعف مستكين.
وحين تعظم الطامة وتدلهم الخطوب، تسأم النفوس الحياة وتمل الفساد والجور، وتتطلع إلى ساعة الخلاص التي تنقذها من براثن الشرك، وتنشلها من حمأة الرذيلة، وتأخذ بيدها إلى

الصفحة 217