كتاب اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة - مناع القطان

الله به عليه وعلى أمته أن أعطاه جوامع الكلم، فيذكر الله تعالى في كتابه كلمة واحدة تكون قاعدة جامعة يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصى، وكذلك يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلمة الجامعة، ومن فهم هذه المسألة فهما جيدا فهم قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 1 وهذه الكلمة أيضا من جوامع الكلم، إذ الكامل لا يحتاج إلى زيادة، فعلم منه بطلان كل محدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما أوصانا بقوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" 2، وفهم أيضا معنى قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 3، فإذا كان الله سبحانه قد أوجب علينا أن نرد ما تنازعنا فيه إلى الله، أي إلى كتابه، وإلى الرسول، أي إلى سنته، علمنا قطعا أن من رد إلى الكتاب والسنة ما تنازع فيه الناس وجد فيه ما يفصل النزاع" 4.
ويتابع كلامه فيوجب في محل النزاع التراد إلى الله والرسول إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه؛ إذ لا وجه للترجيح إلا بالدليل، فإذا لم يتبين للمرء الدليل المرجح كانت له مندوحة في أن يقلد من يثق بعلمه ودينه، يقول الشيخ -رحمه الله-: "إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه، فنقول: في محل النزاع التراد إلى الله والرسول، لا إلى كلام أصحابه ولا إلى الراجح المرجح من الروايتين والقولين، خطأ قطعا، وقد يكون صوابا، وقولك: إذا استدل كل منهما بدليل فالأدلة الصحيحة لا تتناقض، بل يصدق بعضها بعضا، لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل، لأنه إما استدل بحديث لم يصح، وإما لأنه فهم من كلمة صحيحة مفهوما مخطئا.
وبالجملة، فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول، فإذا تبين لك الحق فاتبعه،
__________
1 سورة المائدة آية: 3.
2 الترمذي: العلم (2676) , وأبو داود: السنة (4607) , وابن ماجه: المقدمة (42 ,44) , وأحمد (4/126) , والدارمي: المقدمة (95) .
3 سورة النساء آية: 59.
4 فتاوى ومسائل ص32.

الصفحة 225