كتاب اعتماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة - مناع القطان

كان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه، وينكر عليه، وإن أريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفا لمذهب أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 1.
وأما قول من قال: اتفاق العلماء حجة، فليس المراد الأئمة الأربعة، بل إجماع الأمة كلهم، وهم علماء الأمة، وأما قولهم اختلافهم رحمة، فهذا باطل، بل الرحمة في الجماعة، والفرقة عذاب، كما قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} 2.
ولما سمع عمر ابن مسعود وأبيّاً اختلفا في صلاة الرجل في الثوب الواحد صعد المنبر وقال: اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أي فتياكم يصدر المسلمون؟ "لا أجد اثنين اختلفا بعد مقامي هذا إلا فعلت وفعلت....".
ثم يسترسل الشيخ في ذكر ما يمكن أن يكون موضع خلاف يحتمل ويحرر الموقف في مثل ذلك، وهو تحرير يوقر فيه العلماء ويحفظ مكانتهم، وهذا ينفي عنه ما قيل: من تهجمه عليهم.. يقول: قد تبين لكم في غير موضع أن دين الإسلام حق بين باطلين وهدى بين ضلالين، وهذه المسائل 3 وأشباهها مما يقع الخلاف فيه بين السلف والخلف من غير نكير من بعضهم على بعض، فإذا رأيتم من يعمل ببعض هذه الأقوال المذكورة بالمنع، مع كونه قد اتقى الله ما استطاع لم يحل لأحد الإنكار عليه، اللهم إلا أن يتبين الحق فلا يحل لأحد أن يتركه لقول أحد من الناس، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
__________
1 سورة الإسراء آية: 36.
2 سورة آية: 118-119.
3 المراد مسائل في الزكاة سئل عنها.

الصفحة 228