كتاب خصائص التفكير الفقهي عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)

ثم حريملاء، وكذلك جده من قبل الشيخ سلمان بن علي، انتهت إليهم الرئاسة في العلم والفقه في نجد1.
في هذا الوسط العلمي العام والخاص المتميز بمظهر فقهي معين يدور في آفاق تقليدية محدودة وإطارات فكرية ملتزمة، عاش الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته العلمية الأولى وتدرج في مراحلها.
وفي مثل هذه الأجواء التي تحكم فيها الانغلاق التام، ليس بالوسع أن يتكون بين أحضانها فقيه يتمتع بحرية فكرية واجتهاد محلق، بل سيكون بالضرورة وقانون الحياة صورة عصره ومرآة جيله، فقيها تقليديا متمسكا بحرفية النصوص لا يتجاوزها ولا إلى الكتاب والسنة.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب عضو في ذلك المجتمع وجزء من تلك البيئة، يتأثر بها ويتجاوب فكرا وشعورا بإيجابياتها وسلبياتها. ولكن إلى أي مدى كان منه هذا التجاوب استقبالا أو رفضا؟
إن التاريخ يثبت أنه لم يكن هناك أي صدى وتأثير لتلك البيئة العلمية والاجتماعية على تفكير الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل كان أقوى من أن يتأثر بسلبياتها أو يخضع لمؤثراتها، فأفلت منها ومن أغلالها وأثقالها، فتميز بتفكير منطلق وعقلية مستقلة بدأت تتبين ملامحها في مرحلة شبابه.
الروافد الفكرية في تكوين الشخصية العلمية للشيخ محمد بن عبد الوهاب:
إن أول ما يثير فضول الباحث قبل أي شيء آخر، هو التعرف على المصادر العلمية والروافد الفكرية التي أسهمت في تكوين شخصيته العلمية والفقهية بصورة متباينة عن أبناء جيله وفقهاء عصره.
إننا لا نجده بين مشائخه الذين تتلمذ عليهم في صباه ومدارج شبابه، غير أن العلاقة والتأثر بشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، وتلميذه شمس الدين أبي عبد الله ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية واضح قوي.
__________
1 عثمان بن عبد الله بن بشر, عنوان المجد في تاريخ نجد الطبعة الثانية (الرياض: وزارة المعارف السعودية, 1391 جـ1 ص114) .

الصفحة 383