كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

فزادنا مع أنس جماعة من الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وإلى ما غالط به من الترجيح الذي دفعته (الطليعة) ص105 - 106 التصريح بأنه يكفي في تقديم رأي أبي حنيفة على السند أن ينفرد برواية السنة بعض أولئك الصحابة. هذا مع أن رواية أنس في الرضخ تشهد لها أربع آيات من كتاب الله عز وجل بل أكثر من ذلك كما يأتي في (الفقهيات) إن شاء الله تعالى ومعها القياس الجلي، ولا يعارض ذلك شيء إلا أن يقال: إن عقلية أبي حنيفة الجبارة كافية لأن يقدم قوله على ذلك كله، وعلى هذا فينبغي للأستاذ أن يتوب عن قوله في (التأنيب) ص 139 عند كلامه على ما روي عن الشافعي من قوله: أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله عليها. قال الأستاذ هناك ((ولأبي حنيفة بعض أبواب في الفقه من هذا القبيل ففي كتاب الوقف أخذ بقول شريح القاضي وجعله أصلاً ففرع عليه المسائل فأصبحت فروع هذا الباب غير مقبولة حتى ردها صاحباه، وهكذا فعل في كتاب المزارعة حيث أخذ بقول إبراهيم النخعي فجعله أصلاً ففرع عليه الفروع ... )).
إلا أن يقول الأستاذ إن أبا حنيفة لم يستعمل عقليته الجبارة في تلك الكتب أو الأبواب وإنما قلد فيها بعض التابعين كشريح وإبراهيم فعلى هذا يختص تقديم العقلية الجبارة بما قاله من عند نفسه، فعلى هذا نطالب الأستاذ أن يطبق مسألة القود على هذه القاعدة.
أما نحن فلا نعتد على أبي حنيفة بقول الأستاذ ولا بحكاية أبي شامة الشافعي الذي بينه وبيت أبي حنيفة نحو خمسمائة سنة بل نقول لعل أبا حنيفة لم يرغب عن انفراد أحد من الصحابة بل هو موافق لغيره في أن انفراد الصحأبي مقبول على كل حال وإنما لم يأخذ ببعض الأحاديث لأنه لم يبلغه من وجه يثبت، أو لأنه عارضه من الأدلة الشرعية ما رآه أرجح منه، وإذا كان يأخذ برأي رجل من التابعين فيجعله أصلاً لباب عظيم من أبواب الشرع كشريح في الوقف وإبراهيم في المزارعة فكيف يرغب عن سنة لتفرد بعض الصحابة بها؟ ثم راجعت (المؤمل) فرأيت عبارته تشعر بأن الكلام فيما تفرد أنس ومن معه يقوله برأيه، لا في ما كان رواية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فأما التحري البالغ فإن كان هو الذي يؤدي إلى قبول ما حقه أن يقبل ورد ما حقه أن يرد

الصفحة 14