كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

((فليست بالمحفوظة إلا من الوجه الذي ذكرناه، وراويها عن إبراهيم بن المنذر غير معروف عندنا)).
يعني أحمد بن محمد البغدادي، وبغدادي لا يعرفه الخطيب الذي صرف أكثر عمره في تتبع الرواة البغداديين لا يكون إلا مجهولاً، فهذا هو المسقط لتلك الحكاية من جهة السند، ويسقطها من جهة النظر أن مالكاً احتج بهشام في " الموطأ " مع أن مالكاً لا يجيز الأخذ عمن جُرب عليه كذب في حديث الناس فكيف الرواية عنه فكيف الاحتجاج به؟! صح عن مالك أنه قال:
((لا تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن سوى ذلك، لا تأخذ عن سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ولا تأخذ عن كذاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب ذلك عليه وإن كان لا يتهم أن يكذب على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... )) أسنده الخطيب في (الكفاية) ص 116 وذكره ابن عبد البر في (كتاب العلم) كما في (مختصره) ص 122 وقال: ((وقد ذكرنا هذا الخبر عن مالك من طرق في كتاب " التمهيد" ... )).
وكأن الأستاذ يحاول إثبات أن الأئمة كمالك وابن معين يوثقون الرجل إذا رأوا أنه لا يكذب في الحديث النبوي وإن علموا أنه يكذب في الكلام، ويحاول أن يدخل في الكلام ما يرويه الثقات مما فيه غض من أبي حنيفة وهكذا ما يرويه أحدهم عن غيره مما فيه غض من أبي حنيفة ولو من بُعد كرواية هشام المذكورة.وعلى هذا فيدخل في الكلام الذي لا يمتنع الأئمة من توثيق الكاذب فيه كل كلام إلا ما فيه إسناد خبر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ولو- والعياذ بالله - تم هذا للأستاذ لسقطت المرويات كلها، ويأبى الله ذلك والمؤمنون، أما السنة فإنها لا تثبت إلا بثقة رواتها، وتوثيق الأئمة للرواة كلام ليس فيه إسناد خبر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فإذا كانوا يرون أن الكذب في ذلك لا ينافي الثقة لم نأمن أن يكذبوا فيه، وتوثيق من بعدهم لهم لا يدفع أن يكونوا يكذبون مثل هذا الكذب بل يجوز أن يكون ذاك التوثيق نفسه كذباً وإن كان قائله ثقة، وهكذا رواية من بعد الأئمة لكلام الأئمة هي كلام، وبالجملة فيشمل ذلك سائر كلمات الجرح والتعديل، والمدح

الصفحة 17