كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

على تكذيبه ، والفزاري والحميدي وجماعة من أضرابهما الذين طعن الأستاذ مجمع على أنهم أثبات . ولا ريب أن في أتباع أصحاب الحديث جهالاً ومغفلين وفجاراً وأنه وقع من هؤلاء الكذب ، ولولا أن الخطيب اجتهد فلم يورد في حكايات الغض ما بان له سقوطه لجاء بالعجب العجاب لكن الجهل في الجانب الآخر أعم وأطم لغلبة الجهل بالسنة ، وقلة الرواية التي يراقب صاحبها ألسنة النقاد صباح مساء ويخاف أن يفقد رأس ماله بكلمة واحدة منهم .
وكان مقتضى الحكمة إتباع ما مضى عليه أهل العلم منذ سبعمائة سنة تقريباً من سدل الستار على تلك الأحوال وتقارض الثناء واقتصار الحنفية في بعض المناسبات على التألم من الخطيب بأنه أورد حكايات لا تصح ، فيقتصرون على هذا الإجمال ونحوه ولا يطعنون في الخطيب ولا في راوٍ بعينه ويعوضون أنفسهم بالاستكثار من روايات المناقب ، فإن جاوز بعضهم ذلك فعلى قدر ومراعاة للجانب الآخر ، فليت الأستاذ اكتفى بما يقرب من ذلك وطوى الثوب على غرة ، فإن أبت نفسه إلا بعثرة القبور فليتحر الحق إما تديناً ظن وإما علماً بأن في الناس بقايا وفي الزوايا خبايا أما أنا فقدمت بيان مقصودي ولا شأن لي بما عداه ولو ألجئت إلى نقد الروايات من الجانبين لتحريت الحق إن شاء الله تعالى ، وذلك بالنظر في أحوال الرواة من الفريقين فمن وثقه أهل العلم فلا بد من قبوله ، ولا يعد ميله إلى أبي حنيفة ولا انحرافه عنه مسوغاً لاتهامه بالكذب ، كما سيأتي في قاعدة التهمة إن شاء الله تعالى ، ولا يلزم من ثقته بنفسه توجه الذم ولا تحقق المدح لما تقدم في الفصل الثاني ، كما لا يلزم من اتجاه عدم قبول المروي سقوط رجال السند كلهم ، بل ولا سقوط المتفرد به وإن كان من فوقه في السند كلهم ثقات أثباتاً لاحتمال الخطأ والغلط والتأويل وغير ذلك كما يعترف الأستاذ ، نعم قد لا يكون مساغ لشيء من ذلك ويتحقق البطلان لكن الحكم بمثل هذا يحتاج إلى معرفة بالغة وإطلاع واسع ؛ وصدر غني بعيد عن الهوى . وسترى في التراجم ما ترى إن شاء الله تعالى .

الصفحة 21