كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

اتهام الرواة الذين وثقهم أهل الحديث ، وإنما يحملون على الخطأ والغلط والتأويل وذلك معروف في كتب أصحاب الرأي والمقلدين ، أما الأستاذ فبرز على هؤلاء جميعاً !
وأما كتاب العصر فإنهم مقتدون بكتاب الإفرنج الذين يتعاطون النظر في الإسلاميات ونحوها وهم مع ما في نفوسهم من الهوى والعداء للإسلام إنما يعرفون الدواعي إلى الكذب ولا يعرفون معظم الموانع منه .
فمن الموانع التدين والخوف من رب العالمين الذي بيده ملكوت الدنيا والآخرة وقد قال سبحانه { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ } وفي ( الصحيح ) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( علامة المنافق ثلاث وإن صام وزعم أنه مسلم إذا حدث كذب وإذا أتمن خان وإذا وعد اخلف )) وأخلاف الوعد أغلب ما يكون إذا كان الوعد كذباً ، والخيانة تعتمد الكذب كما لا يخفى .
وقال أبو بكر الصديق (( الكذب مجانب للإيمان )) (1) فأما توهم حل الكذب في مصلحة الدين فلا يكون إلا من أجهل الناس وأشدهم غفلة لأن خظر الكذب مطلقاً هو من أظهر الأحكام الشرعية . وأولئك الكتاب لا يعرفون هذا المانع لأنهم لا يجدونه في أنفسهم ولا يجدون فيمن يخالطونه من تقهرهم سيرته على اعتقاد اتصافه بهذا المانع لضعف الإيمان في غالب الناس ورقة التدين . ولا يعرفون من أحوال سلف المسلمين ما يقهرهم على العلم باتصافهم بذلك المانع لأنهم إنما يطالعون التواريخ وكتب الأدب ك‍ ( الأغاني ) ونحوها وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة كان فجرة الإخباريين يضعون تلك الحكايات لأغراض منها دفع الملامة عن أنفسهم - يقولون ليس هذا العيب خاصاً بنا بل كان من قبلنا كذلك حتى المشهورون بالفضل . ومنها ترويج الفجور والدعاية إليه ليكثر أهله فيجد الداعي مساعدين عليه ويقوي عذره . ومنها ترغيب الأمراء والأغنياء في الفجور وتشجيعهم عليه ليجد الدعاة المتأدبون مراعي خصبة يتمتعون فيها بلذاتهم وشهواتهم . ومنها التقرب إلى الأمراء والأغنياء بالحكايات الفاجرة التي يلذ لهم سماعها إلى غير ذلك . وما يوجد في تلك
__________
(1) أخرجه أحمد بسند صحيح . ن .

الصفحة 27