كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

(( كنت قاضياً وأميراً ووزيراً ما ولج سمعي أحلى من قول المستملي (1) من ذكرت ؟ رضي الله عنك )) وفيه ج 6 ص 314 : (( روي عن عبد الرزاق أنه قال : حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجبيثني أصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة وقلت: يا رب مالي أكذاب أنا ؟ أمدلس أنا ؟ فرجعت إلى البيت فجاءوني )) وقد علم طالب الحديث في أيام طلبه تشدد علماء الحديث وتعنتهم وشدة فحصهم وتدقيقهم حتى إن جماعة من أصحاب الحديث ذهبوا إلى شيخ ليسمعوا منه فوجدوه خارج بيته يتبعوا بغلة له قد انفلتت يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها البغلة ويدعوها لعلها تستقر فيمسكها فلاحظوا أن المخلاة فارغة فتركوا الشيخ وذهبوا وقالوا أنه كذاب كذب على البغلة بإيهامها أن المخلاة شعيراً والواقع أنه ليس فيها شيء . وفي ( تهذيب التهذيب ) ج 11ص 284 (( وقال هارون بن معروف : قدم علينا بعض الشيوخ من الشام فكنت أول من بكر عليه فسألته أن يملي علي شيئاً فأخذ الكتاب يملي فإذا بإنسان يدق الباب فقال الشيخ من هذا ؟ .. فإذا بآخر يدق الباب قال الشيخ من هذا ؟ قال : يحيى بن معين ، فرأيت الشيخ ارتعدت يده ثم سقط الكتاب من يده . وقال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين : (( قدم علينا عبد الوهاب ابن عطاء فكتب إلى أهل البصرة : وقدمت بغداد وقبلني يحيى ابن معين والحمد لله ))
فمن تدبر أحوال القوم بأن له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الكذب منهم طول عمره وإنما العجب ممن اجترأ على الكذب ، كما أنه من تدبر كثره ما عندهم من الرواية وكثرة ما يقع من الالتباس والاشتباه وتدبر تعنت أئمة الحديث بأن له أنه ليس العجب ممن جرحوه بل العجب ممن وثقوه .
ومن العجب أن أولئك الكتاب يلاحظون الموانع في عصرهم هذا بل في وقائعهم اليومية فيعلمون من بعض أصحابهم أنه صدوق فيثقوه بخبره ولو كان مخالفاً لبعض ما يظهر لهم من القرآن بحيث لو كان المدار على القرائن لكان الراجح خلاف ما في الخبر ، ويعرفون آخر بأنه لا يتحرز عن الكذب فيرتابون في خبره ولو ساعدته قرائن لا تكفي وحدها لحصول الظن ،
__________
(1) كان إذا كثر الجمع عند المحدث يقوم رجل صيت يسمع إملاء الشيخ الحديث ويستفهمه فيما يخفي ثم يعيد بصوت عال ليسمعه الحاضرون فهذا الرجل يقال له المسملي .

الصفحة 30