كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

النبوي أو قريب منه وتترتب عليه مضار شديدة ومفاسد عظيمة فلا يتوهم محل للتسامح فيه على فرض أن بعضهم تسامح في بعض ما يقع {في} حديث الناس.
فالأستاذ يرمي بعض أئمة السنة فمن دونهم من ثقات الرواة بتعمد الكذب في الرواية وفي الجرح والتعديل كذبا يترتب عليه الضرر الشديد والفساد الكبير ثم يزعم أنه إنما يقدح بذلك فيما لا يقبله هو منهم فأما ما عداه فإنهم يكونون فيه مقبولين كذا يقول (1) وكأنه يقول: وإذا لزم أن يسقطوا البتة فليسقطوا جميعاً. وليت شعري من الذي يعادي أبا حنيفة أمن يقتضي صنيعه أنه لا يمكن الذب عنه إلا بمثل هذا الباطل أم من يقول: يمكن المتحري للحق أن يذب عنه بدون ذلك؟
تنبيه:
ليس من الكذب ما يكون الخبر ظاهراً في خلاف الواقع محتملاً للواقع احتمالاً قريباً وهناك قرينة تدافع ذاك الظهور بحيث إذا تدبر السامع صار الخبر عنده محتملاً للمعنيين على السواء كالمجمل الذي له ظاهر ووقت العمل به لم يجيء، وكالكلام المرخص به في الحرب، وكالتدليس فإن المعروف بالتدليس لا يبقى قوله: ((قال فلان)) ويسمى شيخاً له ظاهراً في الاتصال بل يكون محتملاً، وهكذا من عرف بالمزاج إذا مزج بكلمة يعرف الحاضرون أنه لم يرد بها ظاهرها وإن كان فيهم من لا يعرف ذلك إذا كان المقصود ملاطفته أو تأديبه على أن ينبه في المجلس، وهكذا فلتأت الغضب، وكلمات التنفير عن الغلو وقد مرت الإشارة إليها في الفصل الثاني، على فرض أنه وقع فيها ما يظهر منه خلاف الواقع وقد بسطت هذه الأمور وما يشبهها في رسالتي في أحكام الكذب فأما الخطأ والغلط فمعلوم أنه لا يضر وإن وقع في رواية الحديث النبوي فإذا كثر وفحش من الراوي قدح في ضبطه ولم يقدح في صدقه وعدالته. والله الموفق.
__________
(1) وسيأتي ما فيه في القاعدة الآتية.

الصفحة 35