كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

فالدعوى غير صحيحة، وإنما كتبت هذا بعد فراغي من النظر في التراجم، وأسال الله التوفيق.
الوجه الثاني مقتضى اللغة، والتهمة عند أهل اللغة مشتقة من الوهم وهو كما في
(القاموس) ((من خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردد فيه)) والتهمة بهذا المعنى تعرض في الخبر إذا كان فيه إثبات ما يظهر أن المخبر يحب أن يعتقد السامع ثبوته وذلك كشهادة الرجل لقريبه وصديقه وعلى من بينه وبينه نفرة، وكذلك إخباره عن قريبه أو صديقه بما يحمد عليه وإخباره عمن هو نافر عنه بما يذم عليه وقس على هذا كل ما من شأنه أن يدعو إلى الكذب وقد تقدمت الإشارة إليها في الفصل الخامس فلذاك اكتفى الشارع في باب الرواية بالإسلام والعدالة والصدق فمن ثبتت عدالته وعرف بتحري الصدق من المسلمين فهو على العدالة والصدق في أخباره لا يقدح في إخباره أن يقوم بعض تلك الدواعي ولا أن يتهمه من لا يعرف عدالته أو لا يعرف أثر العدالة على النفس أو من هوى مخالف لذلك الخبر فهو ينتمي أن لا يصح كما قال المتنبي:
شق الجزيرة حتى جاءني نبأ فزعت منه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع إلى صدقة أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وكأنه أخذه من قول الأول:
إني أتتني لسان ما أسر بها ... من علو لا عجب فيها ولا سخر
جاءت مرجمة قد كنت أحذرها ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذر
تأتي على الناس لا تلوي على أحد ... حتى أتتنا وكانت دوننا مضر
إذا يعاد له ذكر أكذبه ... حتى أتتني بها الأنباء والخبر
وجماعة من الصحابة روى كل منهم فضيلة لنفسه يرون أن على الناس قبول ذلك منهم فتلقت الأمة ذلك بالقبول، وكان من الصحابة والتابعين يقاتلون الخوارج ثم روى بعض أولئك التابعين عن بعض أولئك التابعين عن بعض أولئك الصحابة أحاديث في ذم الخوارج فتلقت الأمة تلك الأحاديث بالقبول، وكثيراً ما ترى في تراجم ثقات الرواة من التابعين فمن بعدهم إخبار الرجل منهم بثناء

الصفحة 38