كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً؟)) وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة لأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وشريعة خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها. قال العراقي في (شرح ألفيته) ج 1 ص 267: ((روينا عن سفيان قال: ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: لو أن رجلا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله، وروينا عن ابن المبارك قال: لو هَمَّ رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون فلان كذاب)).
والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته، فإن كان كل من اعتقد أمراً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة، وهذا باطل قطعاً، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافة بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل وإلا وجب أن لا يحتج بخبره البتة، سواء أوافق بدعته أم خالفها، والعدالة ((ملكة تمنع من اقتراف الكبائر .... )) وتعديل الشخص شهادة له بحصول هذه الملكة، ولا تجوز الشهادة بذلك حتى يغلب على الظن غلبة واضحة حصولها له، وذلك يتضمن غلبة الظن بأن تلك الملكة تمنعه من تعمد التحريف والزيادة والنقص ومن غلب على الظن غلبة يصح الجزم بها أنه لا يقع منه ذلك فكيف لا يؤمن أن يقع منه؟ ومن لا يؤمن أن يقع منه ذلك فلم يغلب على الظن أن له ملكه تمنعه من ذلك، ومن خيف أن يغلبه ضرب من الهوى فيوقعه في تعمد الكذب والتحريف لم يؤمن أن يغلبه ضرب آخر وإن لم نشعر به، بل الضرب الواحد من الهوى قد يوقع في أشياء يتراءى لنا أنها متضادة، فقد جاء أن موسى بن طريف الأسدي كان يرى رأي أهل الشام في الانحراف عن علي رضي الله

الصفحة 48