الشيعة ولم تبلغ شدته بحمد الله عز وجل أن يخرج عن الحد ،إنما يقول في الشيعي (( زائغ )) أو (( رديء المذهب )) أو نحو ذلك ، وأبو حنيفة لم يشتهر بالتشيع ، وعمرو بن علي والغلابي لا أعرفهما بانحراف ، نعم هؤلاء كلهم مخالفون لأبي حنيفة في المذهب ، والمخالفة لا تقتضي اطراح جرح المخالف البتة وقد قبل الناس من يحيى بن معين وغيره من الأئمة جرحهم لكثير من الرواة المخالفين لهم في المذهب ، والجرح غير المفسر هو الخطأ ، فمتى تبين أو ترجح أنه خطأ لم يؤخذ به ، والإمامة في الفقه لا تستلزم الثقة في الحديث ، ولا يضر الحنفية أن يثبت أن ابا حنيفة ممن لا تقوم الحجة بما ينفرد بروايته ، ولاتكاد توجد لهم مسئلة يمكن أن يستدلوا بعضهم على الشافعي بحديث أبي حنيفة عن عاصم في المرتدة ، فلما رد عليه ذلك لم يكابر بل قال : (( إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس ... )) كما تقدم في ترجمة الشافعي . وكما أن الإنصاف يقضي أن لا يتخذ ما ثبت عن الأئمة كسفيان الثوري وغيره من قولهم في ابي حنيفة ما يقتضي أنها لا تقوم الحجة بما ينفرد بروايته ، ذريعة إلى الطعن في فقهه جملة وفي مذهبه ، فكذلك يقضي أن لا يتخذ ما يستدل به على فقهه جملة ذريعة إلى رد كلام أئمة الفن في روايته (1) .
وأقتصر هنا هذا القدر . وأسأل الله تعالى التوفيق .
250-منصور بن أبي مزاحم . في ( تاريخ بغداد ) 13 / 400 من طريقين عنه أنه سمع مالك بن أنس يقول في أبي حنيفة (( كاد الدين .... )) قال الأستاذ ص 116 : (( ليس منصور بن أبي مزاحم التركي البطل المغوار من رجال هذا الميدان )) .
أقول : ذكروا أن هذا التركي كان كاتبا في الديوان ، ثم ترك ذلك وتجرد للحديث ، وهو عندهم ثقة ، قال أبو زرعه عن ابن معين : (( تركي ثبت )) وقال أبو حاتم : (( صدوق )) وذكر أنه سأل ابن معين عنه فأثنى عليه وقال : (( كتبت عنه )) وقال الدارقطني : (( ثقة ))
__________
(1) راجع التعليق على الصفحة 360 .