كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

الدين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه، فإن كان ذاك الرجل واسع الرواية أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعاً للأمرين كان الأمر أشد جداً كما يعلم بالتدبر، ولولا أن أُنسب إلى التهويل لشرحت ذلك، فما بالك إذا كان الطعن بغير حق في عدد كثير من الأئمة والرواة يترتب على الطعن فيهم - زيادة على محاولة إسقاط رواياتهم - محاولة توثيق جم غفير ممن جرحوه، وجرح جم غفير ممن وثقوه.
ففي (التأنيب) الطعن في زهاء ثلاثمائة رجل تبين لي أن غالبهم ثقات، وفيهم نحو تسعين حافظاً، وجماعة من الأئمة، فكم ترى يدخل في الدين من الفساد لو مشى للأستاذ ما حاوله من جرحهم بغير حق؟! على أن الأمر لا يقف عندهم فإن الأستاذ يحاول الرد بالاتهام، والتهم غير محصورة، فيمكن كل من يهوى رد شيء من النقل أن يبدي تهمة في رواته وموثقيهم، فيحاول إسقاطهم بذلك، بل يعيد (1) الملحدون الإسلام نفسه ذريعة لاتهام كل من روى من المسلمين ما يثبت النبوة والقرآن ونحو ذلك، ولا يقنعون بالآحاد، بل يساورون المتواترات بزعم التواطؤ والتتابع لاتفاق الغرض، لو كان هذا الطعن من رجل مغمور أو غير مشهور بالعلم أو غير متبوع لهان الخطب، ولكنه من رجل مشهور ينعته أصحابه بأمثال ما كتب على لوح كتابه (تأنيب الحطيب) الذي طبع تحت إشرافه بتصحيحه ((تأليف الإمام الفقيه المحدث، والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير .. )) ويلي ذلك كلمة الناشر وترجمة المؤلف بتلك الألقاب الضخمة والعبارات الفخمة (2)، ويتبعه الحنفية وهم كما يقول السواد الأعظم، ويتابعه في الجملة كل من تخالف السنة هواه من غلاة المقلدين وأتباع المتكلمين وعباد القبور، ويعتضد كلامه الملحدون.
بلى إن في أفاضل علماء الحنفية أنفسهم جماعة يمقتون تصرف الأستاذ، ولكن تصدهم عن رفع أصواتهم بالإنكار عليه موانع هم أعلم بها. والله المستعان.
__________
(1) كذا الأصل، ولعله (يتخذ).
(2) مه أنه يشير في صفحة 14 من (الترحيب) إلى كتب ابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وعبد الله بن أحمد بن حنبل ويقول: ((طبع منها تحت ظلال الحرية ... بعد نسج هالات من التبجيل حول أسماء مؤلفيها تمهيداً للإضلال بأقاويلهم))!

الصفحة 5