كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

الأحاديث غير طاعنين فيها ببدعة راويها ولا في راويها بروايته لها (1)، بل في رواية جماعة منهم أحاديث ظاهرة جداً في موافقة بدعهم أو صريحة في ذلك إلا أن لها عللا أخرى، ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضعفها أهل العلم بعضها بضعف بعض من فوق الأعمش في السند وبعضها بالانقطاع، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس، ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في ((تاريخه الصغير)) ص 68 ووهنه بتدليس الأعمش، وهكذا في رواية عبد الرزاق وآخرين.
هذا وقد مر تحقيق علة رد الداعية، وتلك العلة ملازمة أن يكون بحيث يحق أن لا يؤمن منه ما ينافي في العدالة فهذه العلة إن وردت في كل مبتدع روى ما يقوي بدعته ولو لم يكن داعية وجب أن لا يحتج بشيء من مرويات من كان كذلك ولو فيما يوهن بدعته، وإلاّ - وهو الصواب - فلا يصح إطلاق الحكم بل يدور مع العلة، فذاك المروي المقوي لبدعة راويه إما غير منكر فلا وجه لرده فضلاً عن رد راويه، وإما منكر، فحكم المنكر معروف، وهو أنه ضعيف، فأما راويه فإن اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط البتة، وإن اتجه الحمل على غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك، وإن تردد الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول، وإلا أخذ بقول من هو أعرف منه أو وقف، وقد مر أوائل القاعدة الثانية بيان ما يمكن أن يبلغه أهل العصر من التأهل للنظر فلا تغفل.
__________
(1) كحديث مسلم من طريق الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال قال علي: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق، عدي قال فيه ابن معين: شيعي مفرط. وقال أبو حاتم: ((صدوق وكان إمام مسجد الشيعة وقاصهم))، وعن الأمام أحمد ((ثقة إلا إنه كان يتشيع)) وعن الدارقطني ((ثقة إلا أنه كان غالباً في التشيع)) ووثقه آخرون. ويقابل هذا رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص، عهد النبي صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول: ألا إن آل أبي طالب ليسوا بأولياء، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين، إن لهم رحماً سأبلها ببلالها، ورواه غندر عن شيعة بلفظ ((إن آل أبي .... )) ترك بياضاً، وهكذا أخرجه الشيخان. وقيس ناصي منحرف عن علي رضي الله عنه. ولي في هذا كلام.

الصفحة 51