كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 1)

يكثر في كلامهم الإجمال، وأن لا يستفسر هم أصحابهم، ولم يبقى بأيدي الناس إلا نقل كلامهم ولم يزل أهل العلم يتلقون كلماتهم ويحتجون بها.
وبعد أن اختار ابن الصلاح اشتراط بيان السبب قال: ((ولقائل أن يقول إنما يتعمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث ... وقلَّ ما يتعرضون لبيان السبب بل يقتصرون على ... فلان ضعيف، و: فلان ليس بشيء ونحو ذلك ... فاشترط بيان السبب يفضي إلى ذلك تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر، وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف، ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا (الصحيحين) وغيرهم ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم فافهم ذلك فإنه مخلص حسن)).
وتبعه النووي في (التقريب) و(شرح صحيح مسلم) ولفظه هناك:
((على مذهب من اشترط في الجرح التفسير نقول: فائدة الجرح فيمن جرح مطلقاً أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح .... )) وذكر العراقي في (ألفيته) و(شرحها) بعض الذين أشار ابن الصلاح إلى أن صاحبي (الصحيحين) احتجابهم وقد جرحوا فذكر ممن روى له البخاري عكرمة مولى ابن عباس وعمرو بن مرزوق الباهلي وممن روى له مسلم سويد بن سعيد، وهؤلاء قد سبق جرحهم ممن قبل صاحبي (الصحيح) وكذلك سبق تعديلهم أيضا فهذا يدل أن التوقف الذي ذكره ابن الصلاح والنووي يشمل من اختلف فيه فعدله بعضهم وجرحه غيره جرحاً غير مفسر وسياق كلامهما يقتضي ذلك، بل الظاهر أن هذا هو المقصود فإن من لم يعدل نصاً أو حكما ولم يجرح يجب التوقف عن الاحتجاج به، ومن لم يعدل وجرح جرحاً مجملا فالأمر فيه أشد من التوقف والارتياب.
فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبت به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً، ويوجب التوقف فيمن قد عدل حتى يسفر البحث عما يقتضي قبوله أو رده، وسيأتي تفضيل ذلك إن شاء الله تعالى.

الصفحة 61