كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (اسم الجزء: 1)
بما أسهرت (¬1) ليلك، وأنصبت (¬2) نهارك. قال: فيصعد القُرآن إلى السماء أسرع من الطرف (¬3)، فيسأل الله ذلك له فيعطيه ذلك، فيجئُ القرآن فينزلُ به ألف ألف ملكٍ من مُقرَّبى (¬4) السماء السادسة، فيجيءُ القرآن فيحييه (¬5) فيقول: هل استوحشت، مازدت منذ فارقتك أن كلمت الله تبارك وتعالى حتى أخذت لك فراشاً ودثاراً ومصباحاً، وقد جئتك به فقم حتى تفرشك الملائكة عليهم السلام. قال: فتنهضه (¬6) الملائكة إنهاضاً لطيفاً، ثم يفُسحُ له في قبره مسيرة أربعمائه (¬7) عام، ثم يُوضعُ له فراش بطانته من حريرٍ أخضر، حشوه المسك (¬8) الأذفر، ويوضع له مرافق عند رجليه ورأسه من السندس (¬9) والإستبرق (¬10)، ويُسرجُ (¬11) له سِراجان من نور الجنة عند رأسه، ورجليه يزهران (¬12)
إلى يوم القيامة، ثم تضجعه الملائكة على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ثم يُؤتَى بياسمين (¬13) الجنة وتصعد عنه، ويبقى هو والقرآن فيأخذ القرآن الياسمين فيضعه على أنفه غضًّا (¬14) فيستنشقه حتى يُبعث، ويرجع القرآن إلى أهله فيخبرهم كل يومٍ وليلةٍ، ويتعاهده كما يتعاهد الوالد الشفيق ولده بالخير، فإن تَعَلَّمَ أحدٌ من ولدهِ القرآن بشره بذلك، وإن كان عقبهُ عقب (¬15) سوءٍ دعا لهم بالصلاح والإقبال، أو كما ذُكر. رواه البزار، وقال خالد بن معدان لم يسمع من معاذ ومعناه أنه يجئ ثواب القرآن كما قال
¬_________
= قال تعالى: (ياأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر) وإن القلب يدثر كما يدثر السيف فجلاؤه ذكر الله: أي يصدأ كما يصدأ السيف.
(¬1) بعدت جفونك عن النوم.
(¬2) أقمت يومك في العبادة والتلاوة.
(¬3) لمح البصر.
(¬4) الأبرار المقربين المطيعين.
(¬5) يقدم له أجل تحية مباركة للاستئناس.
(¬6) تطلب منه تخلى هذا المكان برفق لتكسوه من أغلى الرياش، وأفخر الأثاث (بما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
(¬7) بمقدار سير ناقة نجيبة مسرعة. قبره يساوى هذه المسافة في الاتساع.
(¬8) كثير الطيب منتشر الرائحة.
(¬9) الحرير الرقيق.
(¬10) الحرير الغليظ. قال تعالى (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق).
(¬11) يضاء له مصباحان.
(¬12) يلمعان. وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان أزهر اللون، والزهر: الأبيض المستنير والزهر والزهرة: البياض النير، وهو أحسن الألوان ..
(¬13) نوع من أحسن الرياحين عرفها ذكى، وشذاها طيب.
(¬14) طريا لم يتغير، ومنه حديث على هل ينتظر أهل غضاضة الشاب: أي نضارته وطرواته.
(¬15) إن ترك ذرية فاسقة تضرع القرآن لربه عز وجل أن يوفقهم للعمل كأبيهم. وهذه بشارة عظيمة لحامل القرآن أن يبارك الله في ذريته، ويحيطهم برحمته، ويشملهم برضاه تعالى.