كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (اسم الجزء: 1)

ولا خازناً (¬1) ". رواه ابن حبان في صحيحه.
¬_________
(¬1) حافظه في مخزن وخزانته، وأمين صندوقه. والمعنى أن تنتبه فلا تلي عملاً فتحيد عن الجادة فتسأل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة. وفيه الحث على العدل والأمانة والصدق، وخوف الله دائماً، والتنحي عن رياسة العمل، وأداء الصلاة في وقتها.
خلاصة فقه الفصل: يحذر عن جمع المال الحرام، وينهى عن أكل أموال الناس بالباطل وينصح رؤساء الأعمال بخوف الله، قد بَيَّنَ النبي الزكاة، وفضل إخراجها وأردف ذلك بتحذير أخذ أموال الناس بالباطل، وعد أن ما يخالف قوانين الزكاة لا يصح أخذه، وبين أن صاحب المكس يحرم عليه نعيم الجنة ومأواه جهنم. وجمع المال بلا حق شرعي سحت، ويكون جامعه متصفاً بصفات اليهود الذين قال الله فيهم: "سماعون للكذب أكالون للسحت" أي يجمعون المال الحرام: "أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (42 من سورة المائدة).
وقد رأيت حديث رجل صالح كان يجمع المال من طرق تغضب الله تعالى فطلب الإقالة واعتكف، وتحرى الحلال، وترك منصبه خائفاً من الله تعالى، ومن عقابه. لماذا؟ لأن العاشر عليه غضب الله، ولا تجاب له دعوة، وعذابه شديد عند الله، فاختار العزلة عن هذا المنصب المحاط بالشكوك والجور (فاستعفاه فأعفاه) وإن داود عليه السلام نصح آل بيته أن يتهجدوا رجاء رحمة الله، واستثنى اثنين عليهما لعنة الله (ساحر أو عاشر) وفي الرواية الزانية لهما ثالث (زانية) وأنت تجد حيواناً استرحم رسول الله، وطلب منه فك الأسر ليرضع ولديه، ثم يأتي وإلا عذب عذاب العشار، فهذا الحيوان يعلم أن العشار في عذاب شديد، وتعوذ بالله من عقابه (عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل)، ثم توعد رؤساء الأعمال الجائرين الذين لم ينفذوا أوامر الله، ولم يستعملوا أحكامه سبحانه في وظائفهم (ويل للأمراء والعرفاء والأمناء) فالذي ليس أميناً عليه وزر الخيانة، ويحاسبه الله تعالى على ما فعل وإن الله تعالى يعطي الخازن الأمين والجابي الأمين بما فعلا صدقا أجر صاحب المال المتصدق كما قال: "أحد المتصدقين" قال القرطبي: معناه أن الخازن بما فعل متصدق، وصاحب المال متصدق آخر فهما متصدقان. أهـ.
وقال الشوكاني: والحديث يدل على أن المشاركة في الطاعة توجب المشاركة في الأجر. أهـ. أي كل ينال ثواباً. قال ابن رسلان: ويدخل في الخازن من يتخذه الرجل على عياله من وكيل وعبد وامرأة وغلام، ومن يقوم على طعام الضيفان. أهـ. ثم بيَّنَ أن كل موظف في عمل، ويأخذ أجراً يراعى الأمانة، ويتقي الله في عمله، وإن أخذ شيئاً خفية فقد سرق (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد فهو غلول) رواه أبو داود. قال الشوكاني: فيه دليل على أنه لا يحل للعامل زيادة على ما فرض له من استعمله وأن ما أخذه بعد ذلك فهو من الغلول، وذلك بناء على أنها إجارة، ولكنها فاسدة يلزم فيها أجرة المثل. أهـ. وفيه دليل على أخذ العامل حقه من تحت يده فيقبض من نفسه لنفسه. أهـ.
فعليك أخي بالأمانة، وكسب المال الحلال، وخدمة الناس لله؛ فقد قال: "من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا" وقال الحسن في قوله تعالى: "أكالون السحت" هم حكام اليهود يستمعون الكذب ممن يأتيهم برشوة، وقال عمر رضي الله عنه: رشوة الحاكم من السحت، وقال ابن مسعود: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة فأهدى إليه هدية فقلبها فذلك السحت فقيل له: كنا نرى أن السحت الرشوة في القضاء، فقال ذلك الكفر وتلا قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وإنما أراد أن من أكل الرشوة في القضاء أكل السحت وكفر.
وروي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي: "أنه لعن الراشي =

الصفحة 571