كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (اسم الجزء: 1)

يستعملك (¬1) على الصدقة، فسألهُ قال: ما كنتُ لأستعملك على غُسَالَةِ (¬2) ذنوب الناس" رواه ابن خزيمة في صحيحه.

20 - وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالكٍ الأشجعي رضي الله عنه قال: "كنا عند رسول الله تسعةً، أو ثمانيةً، أو سبعةً، فقال ألا تُبايعون رسول الله، وكنا حديث عهدٍ (¬3) ببيعةٍ، فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، فقال: قال ألا تُبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَمَ نُبايعك؟ قال: أن تعبدوا (¬4) الله، ولا تشركوا به شيئاً، والصلواتِ (¬5) الخمس، وتُطيعوا (¬6)، وأسَرَّ كلمةً خفيَّةً، ولا تسألوا (¬7) الناس، فلقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقطُ سَوْطُ أحدهم فما يسألُ أحداً يُناولهُ إياهُ (¬8) " رواه مسلم والترمذي والنسائي باختصار.
¬_________
(¬1) اطلب منه أن يوظفك عاملاً تجمع الصدقات وتحفظها لتخزن فتنفق في مصالح المسلمين.
(¬2) ما غسلت به الشيء ونظفته به: أي البقية الباقية. يرهب من الشحاذة والسؤال، ويبين أن الصدقة تطهر صاحبها من البخل كما يطهر الماء الدنس، فهي مثل الماء الذي نظف، فمن أخذها أخذ أوساخ الناس، وتحمل قذارتهم وكان أداة طهارتهم من الشح، فلا يرضى بها إلا الفقير المحتاج فقط، أما القادر على الكسب فيتعفف ويتنحى عن قبولها.
(¬3) عبارة عن المعاقدة على الإسلام والمعاهدة على العمل بأمور الدين كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، ودخيلة أمره.
(¬4) توحدوه تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، وتخلصوا له العبادة.
(¬5) تؤدوها كاملة تامة.
(¬6) تتبعوا أوامر الله تعالى وتنفذوها، وتطيعوا أولياء الأمور.
(¬7) ارضوا بما قسم الله لكم، واجتنبوا السؤال، ولا تطلبوا من الناس شيئاً. نهى عن السؤال الذي كان على طريق التكلف والتعنت، وكذا سؤال الناس أموالهم من غير حاجة، فالنهي يشمل اثنين:
(أ) التبجح في السؤال فلا فائدة.
(ب) الشحاذة.
(¬8) يعلم الاعتماد على النفس، وقيامها بأعمالها بلا التجاء إلى مخلوق، وغرس غريزة الاعتماد والشجاعة، وقضاء الحاجة بهمة، ولقد سمعوا العظة من رسول الله فقاموا بأعمالهم خير قيام حتى كان السوط يسقط فيأخذه بنفسه بلا سؤال أحد. هذا هو دين الله تعالى، وحبيبه يذم الإمعة الوكل ضعيف العزيمة، وهي الإرادة يلجأ إلى الناس في أعماله، ويمدح قوي العزيمة النافذ الكلمة السباق إلى عمله:
لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة ... ما الموت إلا أن تعيش مذللا
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم =

الصفحة 578