كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (اسم الجزء: 1)

أن تُخَلِّيَ سبيلي فأعبد ربي فَخَلَّى سبيلهُ، فقال الخضرُ: الحمد لله الذي أوثقني (¬1)
¬_________
(¬1) قيدني وحبسني في ذل الأسر وملك اليد، ثم تكرم بفك رقبتي، وإزالة عبوديتي وانكساري.
أخبر عن نبذة طريفة عن سيدنا الخضر عليه السلام، وزيادة إيمانه بالله تعالى، ورغبته في ثوابه، ورهبته من عقابه، وميله إلى إجابة السائل الفقير المحتاج، ولو ببيع نفسه: درجة سامية في الإيمان بالخالق جل وعلا، والرقيب الحسيب أن ينفق ما يملك، ولو يجود بنفسه، وقد رأيت أعزك الله أيها المؤمن إكرام الله للخضر، ومنحه رضاه، وتجليه عليه ببركاته ورحماته، وإعطائه قوة المجدين العاملين (وقد نقل الحجارة في ساعة) هذه كرامة، والثانية (وقد شيد بناءه). قال الشاعر:
يجود بالنفس إذ ضنى الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
بث النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود
ثم أعطى سيدنا الخضر نصيحة غالية، وحذر المسئولين من البخل خشية الوقوف يوم الحساب حفاة عراة، وهيئة أجسامهم رئة بالية تضطرب لرداءتها وقذارتها، وانظر إلى أسمى مطلب عكف عليه العقلاء، وسعى إليه الفضلاء (تخلي سبيلي فأعبد ربي) هذا مثل ضربه النبي لك أيها المسلم لتجود بمالك في مشروعات الخير ولتثق بالله الرزاق المنفق المخلف، ولتتحلى بشيم السخاء والعطاء، فلا ترد سائلاً، وأعطه من فضل الله ونعمه عسى الله أن يرزقك السعادة والقناعة.
ولأبي فراس الحمداني في هذا المعنى:
غيري يغيره الفعال الجافي ... ويحول عن شيم الكريم الوافي
إن الغني هو الغني بنفسه ... ولو أنه عاري المناكب حاف
ما كل ما فوق البسيطة كافياً ... وإذا قنعت فبعض شيء كاف
وتعاف لي طمع الحريص فتوتي ... ومروءتي وقناعتي وعفافي
ومكارمي عدد النجوم ومنزلي ... مأوى الكرام ومنزل الأضياف
لا أرتضي وداً إذا هو لم يدم ... عند الجفاء وقلة الإنصاف
سيدنا الخضر عليه السلام:
في تفسير الجلالين: (آيتناه رحمة من عندنا) نبوة في قول، وولاية في آخر. وعليه أكثر العلماء وعلق على هذا الشيخ الصاوي: أي وقد صححه جماعة، والجمهور على أنه حي إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة يجتمع به خواص الأولياء ويأخذون عنه. قال العارف السيد البكري صاحب ورد السحر في توسلاته: بنقيبهم في كل عصر الخضر أبي العباس من أحيا بماء وصاله:
حي وحقك لم يقل بوفاته ... إلا الذي لم يلق نور جماله
فعليه مني كلما هب الصبا ... أزكى سلام طاب في إرساله
وقد اجتمع برسول الله، وأخذ عنه، فهو صحابي، واسمه بليا: أي أحمد بن ملكان وكنيته أبو العباس. قال بعض العارفين: من عرف اسمه واسم أبيه وكنيته ولقبه مات على الإسلام، وهو من نسل نوح، وكان أبوه من الملوك ولقب بالخضر لأنه جلس على الأرض فاخضرت تحته. أهـ ص 16 - 3 وفي كتابي النهج السعيد في علم التوحيد ص 59 في تعلق علم الله تعالى.
فائدة: قام رجل إلى ابن الشجري وهو على كرسيه للوعظ يقرأ تفسير قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) ووقف على رأسه فقال: يا هذا فما يفعل ربك الآن؟ فسكت وبات مهموماً، فرأى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - =

الصفحة 604