كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 1)

خَفِيفَتَانِ على اللسانِ ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَحْمنِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ" وهذا الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالكلمة هنا العرفية أو اللغوية لا النحوية. قوله: (خفِيفَتَانِ) أي لقلة ألفاظهما ورشاقتهما شبه حصولهما بمتاع يسهل حمله فاستعار له لفظ خفيفتان استعارة تبعية وفي التعبير بذلك إيماء إلى إن في معظم التأليف ثقلا على النفس لمزاولة الأعمال ومن ثم سمي تكليفاً إذ هو إلزام ما فيه كلفة كذا هو عند البخاري في الدعوات وفي الإيمان والنذور ورواه البخاري في آخر صحيحه وختم به بتقديم حبيبتان إلى الرحمن على ما قبله. قوله: (ثقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ) به مع سابقه حصل الطباق والسجع المستعذب وسئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال إن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها فإنها ثقيلة في الميزان والسيئة العكس فلا يحملنك خفتها على ارتكابها وفي الحديث إثبات الميزان وهو مما يجب الإيمان به. قوله: (حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمنِ) لما لهما من المزية فباعتبارهما وصفتا بذلك وإلَّا فجميع الذكر محبوب إلى الرحمن تعالى وفي التعبير بالرحمن إيماء إلى إن الثواب من رحمة الرحمن وأنه لا يجب عليه إثابة مطيع ولا تعذيب عاص. قوله: (سبْحانَ الله وَبِحمْدِهِ) معنى سبحان الله تنزيهه عما لا يليق به من كل نقص وسبحان منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله ولا يستعمل غالباً إلاَّ مضافاً وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الأول وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله:
*سبحانه ثم سبحانا انزهه*
وقوله الآخر:
*سبحان من علقمة الفاخر*
ثم لا منافاة بين إضافته وكونه علماً للتسبيح لأنه ينكر ثم يضاف كما في قول الشاعر:
*علا زيدنا يوم اللقا رأس زيدكم*
أشار إليه الكرماني والواو في وبحمده للحال ومتعلق الظرف محذوف أي أسبحه

الصفحة 178