كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 1)

الظاهرات والخفيات:
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وقال تعالى:
{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: ولكن ينالُه النياتُ.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن بن المفرِّج بن بكار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعري عن كل ما دون الله اهـ. وفي الرسالة القشيرية بسنده إلى سيد البرية - صلى الله عليه وسلم - مسلسلاً بالسؤال عن الإخلاص قال - صلى الله عليه وسلم - سألت رب العزة عن الإخلاص أي ما هو قال سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي اهـ. قوله: (الظاهرات) المفعولة بالجوارح الظاهرة كالصلاة والصدقة، والصوم من الأعمال الخفية إذ لا يعلم حال صاحبه إلاّ بأخبار سره عنه وقد خفي صيام كثير من العارفين على أهله مدة من السنين قيل ولذا ورد في الخبر القدسي الصوم لي وأنا أجزي به. قوله: (والخفيات) من أعمال القلب. قوله: (إلا ليعبدوا الله إلخ) أخذ منه أهل السنة ما ذهبوا إليه من أن العبادة ليس وجوبها
لإفادة الطائع الثواب وبعده عن النار والعقاب بل لأداء حق الربوبية والقيام بمقام العبودية وفي الإكليل في استنباط أحكام التنزيل للسيوطي استدل بالآية على وجوب النية في العبادات لأن الإخلاص لا يكون بدونها اهـ، ثم العبادة اسم للطاعة المؤداة على وجه التذلل ونهاية التعظيم وقضية هذا الكلام أن العبادة أسنى أوصاف الأولياء الكرام لكن قال العارفون التعبد إما لنيل الثواب أو التخلص من العقاب وهي أنزل الدرجات ويسمى عبادة لأن معبوده في الحقيقة ذلك المطلوب بل نقل الفخر الرازي إجماع المتكلمين على عدم صحة عبادته ورد عليه ذلك بأن صواب النقل عن المتأخرين، أو للشرف بخدمته تعالى والانتساب إليه ويسمى عبودية وهي

الصفحة 48