كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 1)

فمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سبب آخر للحصر وهو تقدم الخبر فتفيد هذه الجملة دون ما قبلها وجوب التعيين في نية ما يلتبس من طهارة وصلاة وزكاة دون ما لا التباس فيه وقيل إن مفاد الجملة الأولى إن صلاح العمل وفساده بحسب النية الموجدة له ومفاد الثانية إن جزاء العامل بحسب نيته من خير أو شر وقيل إن مفاد الثانية امتناع النيابة في النية الشامل له الجملة الأولى وصحة نية الولي عن الصبي والأجير عن المؤجر في الحج والوكيل عن موكله في نحو الزكاة لمعنى يخصه هو عدم تأهل المنوي عنهم لها في الأولين وتعينها في الأخير ومن ثم لو وكله في النية وحدها لم يصح وبما ذكر يعلم رد ما قيل الجملة الثانية مؤكدة للأولى تنبيهاً على سر الإخلاص اهـ، وهاتان الكلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يشذ عنهما شيء. قوله: (فمن كانت إلخ) الأشبه أن ما بعد الفاء تفصيل لبعض مفاد الجملة الثانية أي إذا تقرر أن لكل إنسان منويه من خير أو شر فلا بد من مثال يجمع الأعمال كلها أمرها ونهيها وهو الهجرة إذ هي متضمنة لذلك أما الكف عن المنهي فظاهر وقد ورد في الحديث والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وأما الأمر فلأنه لا يتم بل لا يمكن الإتيان به إلاَّ
بهجرة دواعي النفس والهوى ولتضمن الهجرة لهذا المعنى العام آثر - صلى الله عليه وسلم - ذكرها مفردًا له بالفاء الداخلة على الجزاء إن جعلت من شرطية أو على الخبر إن جعلت موصولة لمشابهة الموصول للشرط في العموم وتضمنه إياه فقال فمن كانت هجرته إلخ.

فائدة
قال العاقولي في شرح المصابيح فائدة هذا التفصيل أن الأعمال الشرعية توجب لصاحبها الصحة والثواب إذا اقترنت بالإخلاص فعلم من الأول أن صحة الأعمال لسقوط الفرضية عن المكلف تحصل بالنية وعلم من هذا التفصيل أن حصول الثواب مع الصحة يتوقف على الإخلاص في النية. قوله: (هجرته) هي لغة الترك

الصفحة 57