كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 1)

فَهجرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وشرعاً مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام ووجوبها باق وخبر لا هجرة بعد الفتح المراد لا هجرة من مكة بعد فتحها لصيرورتها دار إسلام وقول الخطابي الهجرة مفروضة قبل الفتح مندوبة بعده فالمنقطع فرضها والباقي ندبها نظر فيه بأن الهجرة من أرض الكفار وجوبها باق عندنا حيث لم يتمكن من إظهار دينه ثم، وتطلق الهجرة كما في أحاديث على ما نهى الله عنه وهجر المسلم أخاه والمرأة فراش زوجها وغير ذلك ويمكن إرادة ذلك كله هنا استعمالا للفظ في حقيقته ومجازه وليس هجر المسلم المراد محرماً دائماً بل قد يجب، ولا يضر في التعميم كون السبب خاصاً على ما نقل أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد فضيلة الهجرة إنما يريد التزوج بأم قيس فلذا قيل له مهاجر أم قيس ولذا عطف - صلى الله عليه وسلم - المرأة على الدنيا في قوله وامرأة ينكحها إلاَّ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: (فهجرته إلى الله ورسوله) أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً فهجرته إليهما ثواباً وأجراً أو فهجرته إليهما حكماً وشرعاً فهي تمييز للنسبة وهو يجوز حذفه لقرينة أو حال مبينة وظاهر كلام النحاة جواز حذفها لذلك أو مقبولة أو صحيحة فحصل التغاير بين الشرط والجزاء تقديراً أو فله ثواب من هاجر إليهما فأقيم السبب مقام المسبب وقيل لا يحتاج لتقدير محذوف إذا التغاير بين نحو المبتدأ والخبر وإن كان هو الأكثر لفظاً لكنه قد يكون معنى بدليل قرائن السياق بأن يراد بالثاني ما عهد ذهنا وبالأول ما وجد خارجاً على حد أنت أنت أي أنت الصديق الخالص ومنه "أنا أبو النجم وشعري شعري" أي شعري الآن هو شعري السابق المعهود لم يغيره الكبر ورجح بأن فيه تعظيماً كما أن في ضده الآتي تقبيحاً إذ اتحاد اللفظ فيما اعتبر تغايره يقصد لأحد ذينك ولم يقل إليهما استلذاذا بذكرهما وتبركاً وتعظيماً لهما وإشارة إلى أنه ينبغي في مقام الخطاب لا مطلقاً ألا يجمع

الصفحة 58