كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 1)

وَالْمُرَادُ مِنْ النَّصِّ هُنَا (الْكِتَابُ الْكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ أَيْ الْأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ) .
مِثَالُ ذَلِكَ: قَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ أَنَّ «الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَبَعْدَ وُجُودِ هَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ أَنْ يَجْتَهِدَ بِخِلَافِهِ وَيَقُولَ بِحُكْمٍ يُنَاقِضُهُ، كَأَنْ يَقُولَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (يَجُوزُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُنْكِرِ) أَوْ (أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي) كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي (هَلْ الْبَيْعُ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ) بَعْدَ وُرُودِ النَّصِّ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] الْآيَةَ.

[ (الْمَادَّةُ 15) مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ]
(الْمَادَّةُ 15) :
مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ يُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ (النَّصُّ الْوَارِدُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَيُقَالُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ أَيْ الْوَارِدِ بِهِ نَصٌّ) أَصْلٌ، أَوْ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، أَوْ مُشَبَّهٌ بِهِ، وَلِغَيْرِهِ (فَرْعٌ، وَمَقِيسٌ، وَمُشَبَّهٌ) .
الْقِيَاسُ تَعْرِيفُهُ: إثْبَاتُ حُكْمٍ لِلْفَرْعِ كَحُكْمِ الْأَصْلِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ مُمَاثَلَةٍ فِي الْعِلَّةِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ.
كَيْفِيَّةُ الْقِيَاسِ: الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَلَوْ انْتَشَلَ أَحَدٌ مَالًا مِنْ آخَرَ.
وَآخَرُ نَبَشَ قَبْرًا وَسَرَقَ الْكَفَنَ مِنْهُ.
فَالنَّشَّالُ قَدْ أَخَذَ مَالًا مُحْرَزًا خِفْيَةً، فَعِلَّةُ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَدِ مَوْجُودَةٌ فِي عَمَلِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ السَّارِقِ قِيَاسًا، وَأَمَّا (النَّبَّاشُ) فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ فَأَجَازَ الْبَيْعَ دَلَالَةً، وَإِذَا صَرَّحَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ إجَازَةِ الْبَيْعِ لَا يُعْتَبَرُ تَصْرِيحُهُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَكَمَا أَنَّ الصَّرَاحَةَ تَكُونُ رَاجِحَةً عَلَى الدَّلَالَةِ كَمَا اتَّضَحَ تَكُونُ رَاجِحَةً عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إنَّ اللِّيرَةَ الْمَعْرُوفَةَ فِي فِلَسْطِينَ الْآنَ هِيَ الْجُنَيْهُ الْمِصْرِيُّ، فَلَوْ جَرَى أَمْرِ الزَّوَاجِ لَهُ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ تَرْكِ التَّصَرُّفِ لَهُ فِي مَالِهِ لِمُمَاثَلَةِ الْعِلَّتَيْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَالزَّوَاجِ، وَهُوَ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ الصَّالِحَ لِنَفْسِهِ مِنْ الضَّارِّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ أَمْرِ الزَّوَاجِ لِلصَّغِيرِ نَفْسِهِ أَبْلَغُ ضَرَرًا مِنْ تَرْكِ التَّصَرُّفِ لَهُ فِي الْمَالِ.
وَفِي الْمَثَلِ الْعَامِّيِّ يُقَالُ (الْبِنْتُ الصَّغِيرَةُ لَوْ تُرِكَتْ وَشَأْنَهَا فِي أَمْرِ زَوَاجِهَا تَتَزَوَّجُ بِالطَّبَّالِ، أَوْ الزَّمَّارِ) أَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ بِصُورَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْقِيَاسِ، فَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إنَّ بَيْعَ الِاسْتِصْنَاعِ جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَقِيَاسًا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الِاسْتِصْنَاعِ غَيْرَ جَائِزٍ، وَلَكِنْ جُوِّزَ اسْتِثْنَاءً عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ بَيْعَ السَّلَمِ أَيْضًا جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَنَّ بَيْعَ ثَمَرِ الشَّجَرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ ثَمَرُهُ جَائِزًا اسْتِنَادًا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الِاسْتِصْنَاعِ أَوْ بَيْعِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ بِجَوَازِ الِاسْتِصْنَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالَ قَرِيبِهِ لِآخَرَ بِحُضُورِهِ وَسَكَتَ، أَوْ بَاعَتْ زَوْجَةٌ مَا بِحُضُورِ زَوْجِهَا مَالًا عَلَى أَنَّهُ لَهَا، وَسَكَتَ الزَّوْجُ فَالْبَيْعُ يَكُون نَافِذًا، فَلَوْ ادَّعَى الْقَرِيبُ صَاحِبُ الْمَالِ أَوْ الزَّوْجُ أَنَّ الْمَالَ الْمَبِيعَ هُوَ مَالُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، فَعَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى مِنْهُ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ

الصفحة 33