كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 1)

مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَقْسَمَ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّنِي لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هُوَ أَكْلُ خَشَبِ الشَّجَرَةِ إلَّا أَنَّ قَصْدَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَمَّا كَانَ مُتَعَذَّرًا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ أَيْ عَلَى ثَمَرِ الشَّجَرَةِ إذَا كَانَتْ ذَا ثَمَرٍ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْحَالِفُ مِنْ حَطَبِ الشَّجَرَةِ لَا يَحْنَثُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُ أَصْبَحَ مَهْجُورًا.
الثَّانِي وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْحَقِيقِيُّ مَهْجُورًا عَادَةً أَوْ شَرْعًا كَأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِخَادِمِهِ: اقْلِبْ " نِعَالَ الضُّيُوفِ " فَالْمَقْصُودُ هُنَا عَادَةً صَفُّهَا وَتَرْتِيبُهَا لَا قَلْبُهَا وَجْهًا لِبَطْنٍ، وَكَلِمَةُ " فنارياق " بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ بِمَعْنَى احْرِقْ الْفَانُوسَ فَمَعْنَاهَا الْمُسْتَعْمَلُ أَشْعِلْ الْفَانُوسَ، وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ لِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هَجَرَتْ مَعَانِيَهَا الْحَقِيقِيَّةَ عَادَةً وَشَرْعًا وَاسْتُعْمِلَتْ فِي مَعَانٍ أُخْرَى مَجَازًا: مِثَالٌ لِلْمَهْجُورِ عَادَةً: لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا لَا أَدُوسُ دَارَ فُلَانٍ، فَالْمَقْصُودُ لَهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَ ذَلِكَ الرَّجُلِ لَا أَنْ لَا يُدْخِلَ رِجْلَهُ فِيهَا.
مِثَالٌ:
لِلْمَهْجُورِ شَرْعًا: لَوْ قَالَ شَخْصٌ إنَّنِي وَكَّلْتُ فُلَانًا بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْخُصُومَةِ الْحَقِيقِيِّ هُوَ النِّزَاعُ وَالْمُقَاتَلَةُ، وَلَكِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] الْآيَةَ. هُجِرَ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ شَرْعًا وَأَصْبَحَ إنَّمَا يُقْصَدُ التَّوْكِيلُ بِالْمُجَاوَبَةِ وَالْمُرَافَعَةِ عَنْ الْوَكِيلِ فِي الدَّعْوَى الْمُقَامَةِ عَلَيْهِ أَوْ الَّتِي أَقَامَهَا هُوَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - اسْتِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، أَوْ اسْتِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ بِصُورَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجَازِ، وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَجَازُ. وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ أَكْثَرُ أَوْ أَرْجَحُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ، فَرَأْيُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ هُنَا حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْأَصْلَ وَرَأْيُ الْإِمَامَيْنِ الْمَجَازُ أَوْلَى.
مِثَالٌ: لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّنِي لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ، أَوْ لَا أَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَعَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ الدَّقِيقِ أَوْ الْخُبْزِ الْمَصْنُوعِ مِنْ ذَلِكَ الْقَمْحِ أَوْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ مَمْلُوءٍ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَشْرَبْ مِنْ النَّهْرِ كَرْعًا، وَيَأْكُلْ مِنْ الْقَمْحِ حَبًّا، أَمَّا رَأْيُ الْإِمَامَيْنِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْ الْقَمْحِ حَبًّا أَمْ أَكَلَ مِنْ طَحِينِهِ وَخُبْزِهِ، وَسَوَاءٌ شَرِبَ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ كَرْعًا أَمْ شَرِبَ مِنْهُ بِإِنَاءٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمُفْتِيَ عِنْدَمَا يُسْتَفْتَى عَنْ مَسْأَلَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُسْتَفْتِي مِنْ بَلْدَةٍ أُخْرَى أَنْ لَا يُفْتِيَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلَ لِلَّفْظِ الْمُسْتَفْتَى بِهِ فِي بَلْدَةِ الْمُسْتَفْتِي. هَذَا وَالْمَادَّةُ 1584 تُصَرِّحُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ بَاطِلٌ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مُعَلَّقًا عَلَى زَمَنٍ يَعْرِفُ بِهِ النَّاسُ أَجَلَ الدَّيْنِ يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الْمُقِرِّ إقْرَارًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ.
مِثَالٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ: إذَا

الصفحة 49