كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 1)

وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي أَيْضًا. إلَّا أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَبْلَ أَنْ يُكَلَّفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ الَّتِي تُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا وَامْتِنَاعِهِ عَنْهَا، فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ لِتَقْوِيَةِ جَانِبِهِ بِنُكُولِ الْخَصْمِ، وَتِلْكَ لِتَقْوِيَةِ جَانِبِهِ بِالشَّاهِدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْأُولَى إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَيُقْضَى بِالثَّانِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ.

[ (الْمَادَّةُ 77) الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينُ لِبَقَاءِ الْأَصْلِ]
(الْمَادَّةُ 77) :
الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينُ لِبَقَاءِ الْأَصْلِ.
لِأَنَّ الْأَصْلَ يُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ الْحَالِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْيِيدٍ آخَرَ، وَاَلَّذِي يَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ. خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ - خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ كَالْمَوْجُودِ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ، وَاشْتِغَالُ الذِّمَّةِ، وَإِضَافَةُ الْحَوَادِثِ إلَى أَبْعَدِ أَوْقَاتِهَا، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ الْعَدَمُ، كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَإِضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 8 وَ 9 وَ 11) كَمَا إذَا ادَّعَى شَخْصُ قَائِلًا: إنَّنِي بِعْت الْمَالَ الْفُلَانِيَّ مِنْ فُلَانٍ حِينَمَا كُنْتُ صَبِيًّا، وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (967) غَيْرُ نَافِذٍ فَاطْلُبْ رَدَّهُ، وَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلًا: إنَّهُ بَاعَنِي إيَّاهُ أَثْنَاءَ مَا كَانَ بَالِغًا وَالْبَيْعُ نَافِذٌ، فَلِأَنَّ الصِّغَرَ وَعَدَمَ الْبُلُوغِ أَصْلٌ، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِمُدَّعِي الصِّغَرِ. وَبِمَا أَنَّ الْبُلُوغَ عَارِضٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ مُدَّعِي الْبُلُوغِ، كَذَلِكَ إذْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ بَيْعَ وَفَاءً، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ كَانَ بَيْعًا بَاتًّا فَبِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ وَالْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا، فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي بِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ وَبِمَا أَنَّ وُقُوعَ الْبَيْعِ وَفَاءً هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ، فَتُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ مُدَّعِي الْوَفَاءِ. كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي كَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِرِضَاءٍ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الرِّضَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَالْبَيِّنَةُ تُطْلَبُ مِنْ مُدَّعِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. كَذَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ مُطَالِبًا إيَّاهُ بِدَيْنٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَالْبَيِّنَةُ تُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ رَاجِعْ (الْمَادَّةَ الثَّامِنَةَ) وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلشَّخْصِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) يُصَدَّقُ الْأَمِينُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1174) بِيَمِينِهِ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِلَيْكَ الْإِيضَاحُ: إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ طَالِبًا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ، وَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ، وَالْحَالُ أَنَّ الرَّدَّ وَالْهَلَاكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَالْأَصْلُ

الصفحة 76