كتاب الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ (اسم الجزء: 1)

مستنصرًا به على الروم، فأسرع أميرُ المسلمين إجابته إلى ما دعاه، فأخذ في أُهبة العبور إلى جزيرة الأندلس، فعبر البحرَ بعسكرٍ ضخمٍ، وتوجّه نحو شرق الأندلس مجاهدًا العدوَّ، ولقي في طريقه ملوكَ الأندلس، فاجتمع له مِن جيشه وما انتدب من النَّاس عشرون ألفَ مقاتل، واجتمع النَّصارى في عدد كبير بقيادة الأدفنش، ووقعت بينهم وقعةُ الزلَّاقة المشهورة التي انتصر فيها المسلمون نصرًا مؤزَّرًا، أعزَّ الله فيه دينَه وأعلى كلمتَه، وقطع طمعَ الروم عن الجزيرة الخضراء، ثمَّ رجع يوسف بن تاشفين إلى قاعدة ملكه مرَّاكش، وتركَ جندًا من جنوده على الثغور مرابطين في سبيل الله.
وفي سنة (٤٨٦ هـ) استولى الطاغية لذريق النصراني على بلنسية، واشتدّ حالُ أهلها، وعظم أمرُهم وبلاؤُهم، فاستصرخوا بأمير المسلمين ابن تاشفين مرةً أخرى، فجدَّ في أمرهم وأمر قوَّادَه وعمَّالَه على بلاد الأندلس بنصرهم.
وفي سنة (٤٨٧ هـ) تغلّب العدوُّ على بلنسية، واشتدَّ جزعُ المسلمين بدانية، وحميت بها الفتنةُ، واشتدّت المحنُ، وغلت الأسعار، وانتشر الوباء والأمراض، فخاطب الناسُ أميرَ المسلمين مستصرخين معلمين بفساد الشرق وإشراف الأمَّة على الهلاك، فتحرّك أمير المسلمين وجنَّد الأجناد، ففتح الله بلاد بلنسية على يد المرابطين بعد حين.
ثمَّ بعدها بدأ ابن تاشفين يوجّه أمراءَه وقوَّادَه إلى أنحاء الأندلس، فأخذ بعضَ الجهات، ثمَّ استولى على المدن العظيمة كإشبيلية وغيرها، ثمَّ لم يزل يطوي تلك الممالك مملكةً مملكةً حتى دانت له جميع الأندلس، فأظهر النِّكايةَ بالعدوَ والدِّفاعَ عن أهل الأندلس، فأحبَّه أهل الأندلس، واشتدَّ خوفُ الروم منه، وتَسمَّى هو وأصحابه بالمرابطين.

الصفحة 34