كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

ويَرِدُ على اختصاص الحمد هنا بالله تعالى الحمدُ المتعلقُ بغير الله فإنَّ ذلك شائع لغة وشرعا. ويجابُ عنه بأنه راجع إلى الله تعالى باعتبار أنه المقدر على الصفات التي تَعلَّقَ الحمدُ لأجلها بالمحمود والممكن منها، وهذا صحيح الاعتبار (لا) (¬1) على مذهب الاعتزال وغيره، أو أنّ المحصور هو الحمد الكامل الذي لا يتطرق إليه نقصان، ولا خفي في أن ذلك لا يكون لغير الله.
و"الله" عَلَمٌ (¬2) لذات (أ) الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، وخصه من بين الأسماء الحسنى للدلالة على أنَّ استحقاقه للحمد لوجهيْن، ذاتيّ وإنعاميّ بخلاف غيره من الأسماء الحسنى، فإنه يوهم أن تعلق الحمد إنما هو لأجل معنى ذلك.
(على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة قديمًا وحديثًا)، "النِّعَم" جمع نِعْمَة، والمقصود هو الاستغراق إذ الإِضافة في معنى اللام، وجعل الحمد متعلقا بالمنعم به، لأن الحمد على الإِنعام إنما يكون من حيث وقوعه عليها (وكان (ب) تعلقه بها أولى، وإضافة النِّعَم لِيُستفاد منه الاستغراق، فحَصُل الحمد على كل فرد من أفرادها، فلا (جـ) يلزم منه إحصاء النعم، فيكون في الظاهر مخالفا لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (¬3) لأنه لا يلزم مِنْ ذكرها لصيغة الاستغراق العَدّ، فتأمل) (د).
¬__________
(أ) في هـ: للذات.
(ب) في هـ: فكان.
(جـ) هـ: ولا.
(د) بهامش الأصل.
__________
(¬1) هكذا في جميع النسخ بدون (لا) والكلام غير مستقيم المعنى فإن هذا الجواب لا يصح على مذهب المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق فعله فلا يرجع حمده إلى الله بوجهه فلعل الجملة: (لا على مذهب الاعتزال)، وهو ما أثبتناه.
وقد عرف ابن القيم الحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضى به فلا يكون المحب الساكت حامدا، ولا المثني بلا محبة حتى تجتمع له المحبة والثناء، الوابل الصيب 1/ 151.
(¬2) قال الخليل: "الله" لا يطرح الألف من الاسم إنما هو الله عزَّ وجلَّ ذكره على التمام، قال: وليس هو من الأسماء التي يجوز منها اشتقاق فِعْل كما يجوز في "الرحمن" و"الرحيم". لسان العرب 17/ 359.
(¬3) الآية 18 من سورة النحل.

الصفحة 10