كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

يحفظها على ظهر قلبه، وكان يحفظ ألف ألف حديث، فقيل لأبي زرعة: ما يدريك؟ قال: ذاكرته وأخذت عليه الأبواب (¬1).
وقال إبراهيم الحَرْبِيّ (¬2): كأنّ الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويترك ما شاء (¬3).
قال الشافعي: خرجتُ من بغداد (أ)، وما خلفتُ بها أتقى ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه.
وامتُحن المحنة المشهورة على يَدَي القاضي أحمد بن أبي (¬4) دُؤاد في أيام المأمون، كتب المأمون إلى نائبه ببغداد -وهو إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (ب) (¬5) - في سنة ثمان عشرة ومائتين، وحمل أحمد إلى "طُوْس" ومحمد بن نوح، ومات المأمون وأحمد محبوس، ومات محمد بن نوح، ودفنه أحمد، ثم بويع المعتصم، وأُحضر أحمد إلى بغداد مقيدا، وحُبس في حبس العامة نحوا من ثلاثين شهرا، والناس يقرأون عليه، وبلغت القيود أربعة عشر قيدا، وكان له تكة يرفع بها القيود إذا مشى، ودُعِيَ في بعض الأيام إلى حضرة المعتصم، وألانَ المعتصمُ معه القول، فأغلظ أحمد القول، فأمر بضربه وحبسه، فضرب
¬__________
(أ) في هـ: بغداد -بالذال المعجمة في آخره، وهي لغة في (بغداد).
(ب) في النسخ: الجماعي، وفي ب مصححة: الحزاعي وهو الصحيح. انظر الترجمة.
__________
(¬1) سير أعلام النبلاء 11/ 187، 188.
(¬2) إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، الحربي، البغدادي، إمامٌ حافظ. طبقات الشافعية، 2/ 256 - 257، طبقات الحنابلة 1/ 86 - 93، الوافي بالوفيات 5/ 320 - 324.
(¬3) سير أعلام النبلاء 11/ 188.
(¬4) أحمد بن فرج بن حريز، الإيادي، البصري، المشهور بأحمد بن أبي دُؤاد، جَهْمِي دعا إلى خَلْق القرآن في ولاية المأمون والمعتصم، وفي ولاية المتوكل صادره وعزله. تاريخ بغداد 4/ 141 - 156، لسان الميزان 1/ 171.
(¬5) إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي أمير بغداد، وعلى يده امتحن العلماء بأمر المأمون في خلق القرآن، كان سائسا صارما له فضيلة ومعرفة ودهاء. تاريخ بغداد 7/ 319 - 323، سير أعلام النبلاء 11/ 171.

الصفحة 21