ممن روى وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه توضأ معكوسا أو مقدم اليسرى على اليمني، وفي بعض الروايات أن تلك الصفة وقعت منه بيانا لآية الوضوء فلا يقال: إن ذلك عمل بالأفضل وليس بواجب. وأجيب بأن الآية أجمل فيها اليدان والرجلان ولم يبين، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله" (¬1) فهو قرينة على حمل الفعل على الوجه المستحب ولا خلاف في الاستحباب، ولقول علي - رضي الله عنه - "ما أبالي بيميني (أ) بدأت أم بشمالي إذا أكملت الوضوء" (¬2) أخرجه الدارقطني. وكذا في أصول الأحكام. قلت ذلك (ب) معارض بالحديث الآتي: "ابدأوا بميامنكم" (¬3) وهو لم يتكلم عليه بما يقدح، وهو أرجح مما ذكر، فالواجب المصير إليه، وفيه بيان للآية (جـ)، وقد نسب العمراني في البيان القول بوجوب ترتيبها إلى الفقهاء السبعة.
قال المصنف (¬4): وهو تصحيف من الشيعة، وفي كلام الرافعي (¬5) (د) لما يوهم أن أحمد قال بوجوبه، ولا نعرف ذلك عنه، بل قال الشيخ الموفق في المغني: لا نعلم في عدم الوجوب خلافا (¬6) والله أعلم.
¬__________
(أ) بهامش هـ.
(ب) ساقطة من ب.
(جـ) في جـ: الآية.
(د) في جـ: الشافعي.
__________
(¬1) أبو داود 1/ 538 ح 861.
(¬2) أخرجه الدارقطني بلفظ (ما أبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت) وهو منقطع عبد الله بن عمرو بن هند لم يسمع من علي، العلل ومعرفة الرجال 1/ 38، التلخيص 1/ 99.
(¬3) إذا توضأتم فأبدأوا بميامنكم سيأتي في ح 41.
(¬4) الفتح 1/ 270.
(¬5) فتح العزيز 1/ 360، قلت: ولم أر ذكرا للحنابلة عند الكلام على الترتيب.
(¬6) قال الموفق: (ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى، ولا نعلم فيه خلافا لأن مخرجهما في الكتاب واحد قال الله تعالى {وَأَيْدِيكُمْ} {وَأَرْجُلَكُمْ} والفقهاء يعدون اليدين عضوا والرجلين عضوا ولا يجب الترتيب في العضو الواحد) المغني 1/ 137.