كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

وألَّف الصحيح بعد أن رأى أنه واقف بين يَدَي النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيده مروحة يذب عنه، فعَبَّر له مُعَبِّر بأنه يذب الكذب، قال: وما وضع فيه حديثًا إلا بعد الغُسْل وصلاة ركعتَيْن استخارة، وأخرجه من زهاء ستمائة ألف حديث، وألفه بمكة، قال: "وما أدخلتُ فيه إلا صحيحا، وأحفظُ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح" أي (أ): باعتبار طرقها الكثيرة مع عده المكرر والموقوف وآثار الصحابة والتابعين وغيرهم وفتاويهم مما كان السلف يطلقون عليه حديثًا، وهذا التأويل متعين، إذ مجموع الموجود بأيدي الناس اليوم لا يساوى ثلث هذا العدد.
وكان أئمة الحديث يصححون كتبهم من حفظه وهو شاب، وسأله أهلُ "بَلْخ" الإملاء عليهم، فأملى (ب) ألف حديث عن ألف شيخ (¬1)، والامتحان له في "سمرقند" بخلط الأسانيد بعضها في بعض، وكذا في "بغداد" (جـ) بمائة حديث قلبوا متونها وأسانيدها مشهور (¬2).
وامتُحن أيضًا عند مَقْدِمِهِ من "نيسابور" إلى "بُخَارى"، وذلك أنه لما علم أهلُ "بخارى" بمقدمه قال لهم رئيسهم محمد بن يحيى الذهليّ: "إني مستقبله فمن أراد فليستقبله" فاستقبله هو وعامة علمائها، وقد كان قال لهم: "لا تسألوه عن شيء من الكلام فلعله يجيب بما نخالفه فيه فتقع الفتنة بيننا وبينه، فيشمت بنا كُلُّ مبتدع"، فلم يكن بأسرع من أنْ سُئِلَ عن اللفظ بالقرآن هل هو مخلوق؟ فقال: "أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا"، وهذا كلامه -رحمه الله تعالى- متفقٌ عليه بين الأشعرية والمعتزلة، وإنما الخلاف فيه للكرَّامِية وبعض
¬__________
(أ) في هـ: باعتبار أي مع طرقها.
(ب) زاد في هـ: عليهم.
(جـ) في هـ: بغداد وكذا في جميع المواضع الآتي ذكرها فيها.
__________
(¬1) سير أعلام النبلاء 12/ 395.
(¬2) تاريخ بغداد 2/ 20، 21.

الصفحة 26