كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

الحنابلة القائلين بقِدَم الألفاظ والعبارات، فقال الذهلي: "القرآن كلامُ الله غير مخلوق، ومَنْ زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجلس إلينا، ولا نُكلم أحدا بعد هذا ممن يذهب إلى محمد بن إسماعيل"، فانقطع الناس عنه إلا مسلما، ورَدَّ إلى الذهلي ما كان كَتَبَه عنه لأنه ظهر له أنَّ الحق مع البخاري وأن الذهلي حاسدٌ متعصب.
ثم قال الذهلي: "لا يساكنني محمد بن إسماعيل في البلد"، فخرج خائفا على نفسه منها (¬1).
وتوفي -رحمه الله تعالى- بخَرنتك -بخاء معجمة مفتوحة على الأشهر أو مكسورة، بعدها راء ساكنة مهملة (¬2)، بعدها نون ساكنة- وهي على فرسخين من "سمرقند"، وقيل ثلاثة أيام، وسبب قدومه إليها أن أهل سمرقند طلبوا وصوله إلى بلدهم، فوصل إلى هذه البلدة فبلغه وقوع فتنة فيما بينهم وأنَّ بعضهم يريد وصوله وبعضُهم كره ذلك، فبقي في هذا المحل حتى يتجلى له الأمر وكان له أقرباء فيه، فأقام أياما، فمرض ثم وصل إليه رسول أهل سمرقند يطلبون وصوله، فتهيأ للركوب، ولبس خفيه وتعمم، فلما مشى قَدر عشرين خطوة إلى الدابة ليركبها، قال: أرسلوني قد ضَعُفْت، فأرسلوه، فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضي، فسال منه عَرَقٌ كثير لا يُوصَفُ وما سكن منه العرق حتى أُدرج في أكفانه.
وقيل: ضجر ليلة فدعا بعد أن فرغ من صلاة الليل فقال: "اللهم قد ضاقت عليَّ الأرضُ بما رحبت فاقبضني إليك"، فمات في ذلك الشهر وقت العشاء ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين عن اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما، لأنهُ ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة.
¬__________
(¬1) انظر قصته مع الذهلي في سير أعلام النبلاء 12/ 453.
(¬2) لا يتأتى النطق بساكنين متتابعين في العربية، وفي الأصل، وب تعليق لابن حجر الهيتمي: (ففوقية مفتوحة فنون). وفي هـ: (في تاريخ ابن خلكان: خرتنك بفتح المعجمة وسكون الراء وفتح التاء وسكون النون).

الصفحة 27